السبت، 20 يوليو 2013

الأميرالاى محمد بك عبيد

الصورة الوحيدة التى  عثرت  عليها لمحمد  عبيد  من  جروب  بأسمه  على الفاسبوك 
فى تاريخ  الجيش  المصرى  شخصيات أستثنائية  ..  ليسوا  زعماء  ..  ولكن  لولاهم ما قام الزعماء  بدورهم  ..  شخصيات  تبرق  فجأة  من  وسط الظلام  لتغير  مجرى الأحداث  و التاريخ  بقرار  حاسم  و  جرئ  .. يتحدون  السلطات  و الرتب الأعلى  ،  غير  مبالين  بما  يمكن أن  يحدث  لو  فشلوا  فيما  هم  مقدمين  عليه . من  تلك  الشخصيات  يوسف  صديق  الضابط المصرى الذى  تحرك  مبكرا و  اعتقل  كل القيادات العسكرية  ليفتح الباب  لحركة  يوليو  52  ..  و لولاه لتم  أعتقال  الضباط الأحرار  و ربما  كان قد  تم  اعدامهم ..  و لنا  ان  نتخيل  كيف  كان  مسار التاريخ  لو  تخاذل  يوسف  صديق  أو  تردد ولو  للحظة  ..
من  تلك الشخصيات  الأميرالاى  محمد  بك  عبيد .
كان  احمد  عرابى  و عبد العال  حلمى  و  على  بك فهمى قد  تقدموا بعريضة  الى رئيس النظار ( الوزراء  )  مصطفى  رياض  باشا  بتكليف  من مجموعة  ضخمة  من الضباط المصريين  بالجيش  للشكوى  من سوء  معاملة  الضباط  المصريين  و  تفضيل  الضباط  الجراكسة  عليهم ..و  طالبوا  بعزل  ناظر  (  وزير ) الجهادية  و  زيادة  عدد  افراد الجيش  الى  18000  جندى .
بالطبع  كانت  العريضة  شديدة  الجرأة  و الخطر  ..  و لنا  ان  نتخيل  أن أساليب التخلص  من المعارضين  فى  تلك المرحلة  هو  قتلهم  خفية أو  وضعهم فى  صناديق  حديدية  و  إغراقهم فى النيل  و  على  أفضل الأحوال  يمكن الإكتفاء  بسجنهم  ثم  نفيهم  ..
و  من ثم  انعقد  فى  غرة ربيع الأول سنة 1298 \ 31  يناير  1881م  مجلس  برئاسة الخديو  بعابدين  حضره جميع الباشوات  المستخدمين  و المتقاعدين  من الترك و الجركس  و  قرروا  اعتقال  أحمد عرابى و رفيقيه  و  محاكمته  فى  مجلس  عسكرى  فوق  العادة  و مجازاتهم  بعقاب  صارم  على ان  يكون  من  أعضاء  هذا المجلس  .. رئيس الأركان  أستون  باشا  (  أمريكى )   و  ناظر المدرسة الحربية لارمى باشا  (  فرنسى )  .
فأرسل  ناظر الجهادية  دعوة  للثلاثة  بالحضور  الى  ديوان الجهادية  بقصر النيل  فى  صباح  2  ربيع  اول  1298 \  أول  فبراير  1881 .للأحتفال  بزفاف  شقيقته  جميلة  هانم  ..  و توقع  احمد عرابى  و رفيقيه  و  زملائهم  ان  هناك  مؤامرة  ضدهم.. و بالفعل ذهبوا فى الوقت المعين  الى  ديوان الجهادية  فوجدوه "  غاصا  بجميع الجراكسة  من  رتبة  الملازم  فما  فوقها  الى  رتبة  الفريق  من الباشوات  و  امراء  العسكرية  ،  و رأينا  شبانهم  و بأيديهم الطبنجات  و  كلهم  فى  فرح  و  مرح . فانعقد المجلس  المؤلف  من الباشوات المذكوريين  سابقا  و  تلى  علينا  الأمر  الخديوى  المؤذن  بتوقيفنا  و  محاكمتنا  ثم  نزعت  منا  سيوفنا و ساقونا الى  السجن  فى  قاعة بقصر النيل  و  كان  مرورنا  بين  صفين  من الضباط الجراكسة  المسلحين  بالطبنجات  ثم  جاء  خسرو  باشا  كبير الجراكسة  و وقف  خارج باب  سجننا  و صار  يهزأ  بنا  بقوله  (  ايه  زنبللى هارف  لا )  يعنى  فلاحين  شغالين بالمقاطف  )  احتقارا  بالمصريين  و  حين قفل علينا  باب  الغرفة  قال  رفيقى  على  بك  فهمى  متأوها  لا  نجاة لنا  من الموت و أولادنا  صغار  و  تأثر  تأثرا  شديدا  حتى  كاد يرمى بنفسه  فى النيل  من  نافذة السجن " 
يذكر  محقق  مذكرات  عرابى  د.  عبد المنعم الجميعى أن  عرابى ذكر  انه  كانت  هناك  خطة  لإغتياله  هو  و  من  معه  عن  طريق  استحضار  وابور  الى  قصر النيل قيل انه  كان به  ثلاث  صناديق  من  صاج  بها ثقوب  بقصد  وضعهم  فيها  و  رميهم فى البحر  حسب  عادة  الحكومة  فى  مدة  الخديو  اسماعيل .

ربما  كان  سرد  تلك المقدمة الطويلة  عن الأحداث  ضروريا  لكى  نتخيل  الأجواء التى  تحرك  فيها  الأميرالاى  محمد  بك  عبيد  .

يروى عرابى  فى الفصل الثالث  من  مذكراته  ص 232 تحت  عنوان
فى  كيفية  إخراجنا  من السجن
انه قد  تم  تعيين  ضباط أخرين بدلا  من الثلاثة المقبوض  عليهم  ..  "فلما علم ضابطان الاى  الحرس  المذكور  (  حرس  الخديوى  و الذى  كان يتولاه الاميرالاى على  بك فهمى  ) بما  لحقنا  من الاهانة و السجن  و  تعيين  غيرنا  بدلا  منا،  هاجوا  و  ماجوا  و ثارت  الحمية فى  رؤوسهم  و فى الحال  أمر محمد افندى  عبيد  البكباشى  بضرب  نوبة  طابور للعساكر فاعترضه خورشيد  بك بسمى  قائمقام الألاى المذكور  و  هدده  بقطع  رأسه  و قال له  انا امير الالاى  فلم يلتفت  اليه  بل أمر  بعض  العساكر  بوضعه فى  محله  محفظا  عليه  و  كانت الجنود قد  أصطفت  تحت السلاح فأخذهم  و قصد  قصر النيل لانقاذنا  من السجن فاعترضه  راشد باشا  حسنى الفريق فلم يجد ذلك  نفعا و  كان الخديوى  مشرفا  على العساكر  من شرفة  السلاملك  فامر   ( بروجى قره قول  السراى )  بأن يضرب  نوبة  حضور  الضباط  عند الخديوى  فلم يحضر أحد  بل وقفت  الأورطة الأولى  حكمدارية البكباشى احمد افندى فرج فى  ساحة  عابدين  و  معها بيرق  الألاى و  كان  وقوفها  فى  هيئة  الطابور  لأجل حفظ الخديوى  مما  عسى  أن  يطرأ  من الأمور  .  و أستمرت الأورطتان الأخريان  فى  سيرهما  إلى ان وصلا  إلى  قصر النيل  . فاصدر  البكباشى محمد  عبيد  امره  الى حكمدار  الورطة الثالثة على  افندى  عيسى  البكباشى  بأن  يذهب  بأورطة  غلى الجهة الخلفية من  قصر النيل  و ذهب  هو بأورطة الى الجهة  الأمامية  ثم  عين  فرقة  من العساكر  لاقتحام  الديوان  الذى  أوصدت  ابوابه  و  منافذه  للبحث  عنا  و  اخراجنا من  السجن  فوقع  الرعب  فى  قلوب  امراء  الجهادية  الموجودين  بالديوان  و  اعضاء  المجلس  المعينين  لمحاكمتنا  من الأورباويين  و الجركس  و  طلب  كل  منهم  لنفسه  النجاة  و فى  جملتهم  عثمان باشا  رفقى  ناظر  الجهادية  .  و  هكذا  كل الشكر و الفخر  لبطل  المقدام  و الشجاع  الهمام  محمد أفندى  عبيد  الذى  كان أنقاذنا  من الهلاك  على  يديه و البطل  المقدام  على  افندى عيسى  البكباشى  و  الوطنى الغيور  احمد افندى  فرج  البكباشى "  
و يستمر  عرابى فى  ذكر  أسماء  كل  من  شارك فى  انقاذهم  من الضباط
كما  ذكر  البكباشى  خضر افندى  خضر   الذى  قام  باعتقال  خورشيد باشا  طاهر  و الأميرالاى   خورشيد  بك  نعمان  و  احمد بك  حمدى  الياور  الخديوى  و  تحرك  بالألاى  و  توجه به  من  طرة الى  قصر الني  لإنقاذ  عرابى و رفاقه  ..  و لكن  محمد افندى  عبيد  كان أسبق  الى  انقاذ  عرابى  و  رفاقه  . 
و يكاد  يختفى  ذكر  محمد  عبيد باشا  على  مدار ا لمذكرات الى  ان  يظهر  مرة  اخرى  بعد بدء  المعارك  ضد الإنجليز  للدفاع  عن استقلال  مصر  .  (و لنا  مع  تلك المعارك رسالة  أخرى )

الجمعة، 19 يوليو 2013

نشأة الحزب الوطنى الأولى

عند ذكر الحزب  الوطنى الأن فأول ما يخطر للبال  هو  مبارك ، صفوت الشريف  ،  جمال  مبارك ،  أحمد  عز  !!!!
و لو  رغبنا فى العودة الى الخلف  كثيرا  فسنفكر  فى  مصطفى كامل  بإعتباره  مؤسس  الحزب الوطنى  !
و لكن الحقيقة أن النشأة الأولى  للحزب الوطنى  كانت  فى  نهاية القرن التاسع  عشر  على  يد  أحمد عرابى  و  رفاقه  .. و لكن  من الغريب  أن يسمى  مصطفى  كامل  حزبه بالوطنى أيضا  على  ما  يحمله  من  مشاعرالغضب  تجاه  عرابى .. و الذى  يحمله  وزر  الإحتلال البريطانى لمصر  !
ما علينا  ..
فى الفصل الرابع  من  مذكرات أحمد عرابى و فى  ص 223
و بعنوان
فى  تذمر  الأمة المصرية من التدخل الأجنبى
يقول  عرابى  "لما رأت الأمة المصرية  صيرورة  البلاد  الى  سيطرة الأوربيين  و  نفوذهم  فى  داخليتها  و  ماليتها و  استئثارهم بخيراتها  و  منافعها تذمرت المة  كبيرها و صغيرها من  جراء  ذلك  التداخل  و تألف  حزب  حنفى !!  من العظماء  و الكبراء و العلماء  و النبهاء .. سموا  أنفسهم بالحزب الوطنى و  جعلوا  مركزه فى  مدينة  حلوان و  نشروا  عدة  منشورات  فى الجرائد  الفرنساوية  اشاروا  فيها على الحكومة  بمراعاة منافع  البلاد و  اعلنوا بوجود  الحزب الوطنى و بيان  واجباته و  اظهار  حقوقه و  ان الحكومة لم  تقم  برغائب الأمة  ثم  اعترض  على الدين  لممتاز و  اختصاصه بالضمانة و  طلب  أولا  ان  تعاد الى الحكومة المصرية  جميع  الاملاك  المسماة  بالخديوية ."
و يستمر  عرابى  فى  ذكر  باقى المطالب  و  كانت  كلها  متعلقة  بديون  مصر  و  كيفية  التعامل  معها  للحفاظ  على حقوق  مصر  من النهب  . حتى  يقول
" و لما  علمت الحكومة  بوجود الحزب المذكور  شددت  على  رؤساءه  بالمراقبة و التهديد  فاحتمى  بعضهم  بالدول الأجنبية  كحافظ باشا  و  ولده  محمد  نشأت  بك  فانهما اخذا  حماية  دولة النمسا  و  شاهين  باشا  كنج  فانه  أخذ  حماية  من  حكومة  ايطاليا  و  خرج  من  مصر  خوفا  و  هلعا  و فرارا  و  جبنا  فصدر  امر  الخديوى  فى  14  يونية  سنة  1880  بتجريد  شاهين  باشا  من رتبه  و  القابه الرسمية  بناء  على  تجنسه  بالجنسية الإيطالية "
و يذكر  عرابى  نص  الأمر .

يذكر  محقق  المذكرات  د. عبد المنعم ابراهيم  الجميعى  فى الهامش  .  أن  اعضاء الحزب  قد  نشروا  اول بيان  لهم  فى  4  نوفمبر  عام  1879 و  طبعوا  منه  عشرين  ألف  نسخة و ان  لهذا الحزب  اثر  كبير  فى  ظهور الثورة العرابية  كما  كانت  لجمعية  مصر الفتاة  التى  ظهرت فى الأسكندرية  نفس  الأثر .
و لكن  للأسف  لا  يذكر عرابى فى  مذكراته  تفاصيل  عن  نشأة الحزب  و  لا  كيف  ظهرت الفكرة أو  تفاصيل عن  نشاطه  و  كيف  سارت الأحداث  به  .. و لكن  يرد  ذكره فى المذكرات  من  حين لآخر  .
و لكنه  يذكر  بيان الحزب  فى  ص  403
فنجد فيه  ان  الحزب  حريص  على العلاقات الودادية  الحاصلة بين الحكومة المصرية  و  الباب  العالى  كما  انه  يعترف  بحقوق  الخلافة العثمانية  على  مصر  و لكنه فى  ذات الوقت  يضع  حدودا لها  فيقول  " كما يعتقد هذا الحزب  انه  يحافظ  على امتيازاته  الوطنية  بكل  ما فى  وسعه  و يقاوم  من  يحاول  اخضاع  مصر  و  جعلها  ولاية  عثمانية  " ثم  يؤكد على العلاقات الطيبة  مع أوربا  و  خاصة انجلترا  .. و التى يبدوا  ان  اصحاب الحزب استشعروا  برغبتها فى الهيمنة  .
ثم  أكد الحزب على  خضوعه  للخديوى  ثم  يؤكد  على  رغبة اصحابه فى  ان  تسترد  مصر  ماليتها  من ايدى الأوربيين  حتى  تكون  مصر  للمصريين .
ثم  يؤكد  الحزب  فى البند  الخامس  على  معنى  شديد الأهمية  يعكس  وعى  أصحابه بطبيعة  مصر  و  شعبها  .. فنرى  ان المادة  تقول
" 5- الحزب الوطنى  حزب  سياسى  لا  دينى  فإنه  مؤلف  من رجال  مختلفى  الإعتقاد  و المذهب  و  جميع النصارى  و اليهود  و  من  يحرث  أرض  مصر  و يتكلم  بلغتها  منضم  لهذا الحزب  ، فإنه  لا  ينظر  لاختلاف  المعتقدات و  يعلم  أن الجميع  إخوان  و  حقوقهم فى السياسية  و الشرائع  متساوية  و  هذا  مسلم  عند أخص  مشايخ الزهر  الذين  يعضدون هذا الحزب  و يعتقدون ان الشريعة المحمدية  الحقة  تنهى عن البغضاء  و  تعتبر  الناس  فى المعاملة  سواء  ،و المصريون  لا يكرهون الأورباويين  المقيمين بمصر  من  حيث  كونهم  أجانب  أو  نصارى  ، و إذا  عاشروهم  على  انهم مثلهم  يخضعون  لشرع البلاد  و يدفعون الضرائب  كانوا  من أحب الناس  إليهم  . "
ثم ينتهى البيان  بالتأكيد  على  ان الحزب  يأمل فى  اصلاح البلاد  ماديا  و  أدبيا  و  لا يكون  ذلك  الا  بحفظ الشرائع  و القوانين  و  توسيع  نطاق المعارف  و  إطلاق   الحرية السياسية  التى  يعتبرونها  حياة  للأمة  .



المصدر 
مذكرات الزعيم  أحمد  عرابى
كشف الستار عن الأسرار  فى النهضة  المصرية  المشهورة بالثورة العرابية  
دراسة و  تحقيق  
د.  عبد المنعم  أبراهيم الجميعى  
دار  الكتب  و  الوثائق القومية   

بحث هذه المدونة الإلكترونية