السبت، 27 ديسمبر 2014

موقف النحاس باشا من العنف السياسى

يروى  ابراهيم  طلعت  فى  مذكراته  كيف  ان قيادات  حركة  يوليو  استمروا فى  طريقهم  نحو الديكتاتورية  و قد  زين  لهم  (  حسب  قوله  )  ذلك  سليمان  حافظ  الذى  كان بمثابرة  رئيس الحكومة الفعلى  و  السنهورى  و  باقى المجموعة  التى  ذكرناها فى الرسالة السابقة .
أصدرت الحركة  قانون الإصلاح الزاعى  و  قانون  تنظيم الأحزاب  و الذى  كان  الهدف  منه  تفجير الأحزاب من  داخلها  و خاصة  حزب الوفد .
يروى  ابراهيم  طلعت  كيف  انه  أصبح  يعتقد  أن  عبد الناصر انما يتلاعب بهم  (  هو  و  ابو  الفتح )

" الراجل  ده  كان بيسرح  بينا  و يخدعنا  " و لكن  ابو الفتح  كان  يعتقد بخلاف  ذلك.
و صول الأمر  بأبراهيم  طلعت  ان  فكرفى  اغتيال  بعض  أعضاء  الوزارة المدنيين و تقابل  مع  مجوعة  من  زملاءه لتحقيق  ذلك  ..  الا  ان  احدهم أبلغ  عبد الفتاح  باشا الطويل  ، فاتصل  عبد الفتاح  باشا الطويل  بابراهيم  طلعت  ليبلغه بأن  رفعة الباشا يريد ان يراه..  فتوجه  ابراهيم  طلعت لمقابلة النحاس  باشا ..
"  ففوجئت بعبد الفتاح باشا الطويل  يشكونى الى  النحاس  باشا  و  اننى اعتزم  ممارسة  حركات  ارهابية  .. الخ .
و ثار النحاس  باشا رحمه الله  فى  وجهى  و  قال  انه  لا  يوافق  اطلاقا  على الإرهاب  و أن  هذه الأعمال  منافية  للديموقراطية  و  للأخلاق  فى  نفس الوقت  قائلا :
يا  اخى  سبحان الله  ..  هو  انت  ربنا  ؟  ..  ازاى  تبقى  خصم  و  حكم فى  نفس الوقت  .. افرض  ان  خصمك  ضدك فى الرأى  ..  ازاى  تسمح  لنفسك انك  تحاكمه ، و  تحكم  عليه  بالإعدام  من  غير  ما  تسمع  دفاعه ..  مش  يجوز  ان  خصمك  ده رأيه  هو  اللى  صح  و  انت اللى  غلط ..  لالا  يا  سى  ابراهيم  ..  انا  ماحبش  اسمع الكلام  ده  ابدا .. و بعدين  على اى  اساس  تثق فى الناس  ،  أهو  واحد  من اللى انت  واثق فيهم  راح قال لعبد الفتاح  باشا و  كتر  خيره  اللى عمل  كده ..  ممكن  واحد  تانى يروح يقول  للحكومة  يبقى العمل  ايه  ؟  .. يا ابنى  ده  جيش  ..  عارف  يعنى  ايه  جيش  ؟  الجيش  زى  قطر السكة الحديد  تقف قدامه  و  تقول له  يا  تدوسنى يا ادوسك  ..  طبعا حيدوسك  و  تموت  ..  يبقى  كسبنا  ايه يا  سى ابراهيم  .. اسمع  ..  انت تروح تتوضا  و  تصلى  ركعتين  لله  و  تستغفر  ربنا و  تقول  يا رب  ، ربنا  هو الكبير  و  كلنا نتركها لله  "

صــ  102
ايام الوفد الأخيرة
مذكرات  ابراهيم  طلعت
مكتبة الأسرة  2003    

الخميس، 25 ديسمبر 2014

تعيين النائب العام بالقوة !!

قصة اليوم  طريفة  و لكنها  تعكس  الأداء السلطوى بعد  52  ..
يروى ابراهيم  طلعت فى مذكراته
" فى  يوم  لا  اذكره  فى  أوئل شهر  أغسطس 1952 اتصل بى  الأستاذ  احمد فؤاد (  قاضى يسارى و  من قادة  حدتو و  كان قد  تعاون  مع الضباط الأحرار  فى  طباعة  منشوراتهم )  من القاهرة  تليفونيا ، و بعد السلام التقليدى  و السؤال  عن الصحة  سألنى  قائلا  ..  تعرف واحد مستار  كويس  و شجاع ؟  فقلت له  لماذا  ؟  و إذ  به يقول  :  علشان  نعمله  نائب  عمومى  !!
و اجبته  انه  كقاضى  يعرف رجال القضاء  أكثر  منى  و انا  محام فى الإسكندرية  و المعروف  أننى  لا  أعرف  رجال القضاء  جميعا  ..  و لكنه  اصر  على ان  افكر  .. و سكت لحظات  كنت أفكر  فيها بسرعة  ثم قلت له  :  فى  واحد  مستشار  لا أعرف  اسمه  أصدر  حكما  شجاعا  بموجبه  تم الإفراج  عن  كتاب  خالد  محمد  خالد  -  من  هنا  نبدأ -  و  كانت الحكومة  قد صادرته أيام الملكية  عند  صدوره  "

يروى  ابراهيم  طلعت  تفاصبل  الوصول لأسم المستشار حافظ سابق  و  تم  تعيينه بالفعل  نائبا  عموميا ..  و لكن القصة  الطريفة  !!  أو  المأساوية   أن  احمد  فؤاد روى  لإبراهيم  طلعت  كيفية  تعيين  حافظ  سابق  فقال  له
" ان  مجلس  القيادة  كلف البوليس  الحربى  بإحضار المستشار  حافظ سابق  فتحرى المختصون  عن عنوانه  و  توجهت  اليه  مجموعة من  جنود الشرطة العسكرية  بالموتوسيكلات بقيادة  بعض  الضباط فى سيارة  .. و  توجهت  هذه المظاهرة  الى بيت الرجل  و  طلبت  منه  ارتداء  ملابسه على  عجل  و التوجه  معهم  الى  مقر القيادة  و تساءل عن الأسباب  فلم يجبه  أحد  لأنهم  لم  يكونوا يعلمون  سبب استدعائه .. و  نزل الرجل  فى  صحبتهم  و  هو فى  حالة  قلق  شديد .  و  أجلسوه  تحت الحراسة  المشددة  فى  غرفة  بالدور الأرضى للمبنى  و  كان  مجلس  القيادة  مجتمعا  وقتئذ  .. و  طال الإجتماع  و سعادة النائب  العام  الجديد فى  حالة  يرثى لها  من القلق  و الخوف  .
و بعد فترة  انفض  الإجتماع و نبه الضابط  الذى كان يتولى  حراسته أحد  اعضاء  المجلس  الى  وجوده  بناء  على  طلبهم  .
فلما علم عضو  مجلس  القيادة باسم الرجل  ، قال له  فى  هدوء  :  مبروك  احنا  عيناك  نائب  عمومى .!!


ايام الوفد الأخيرة
مذكرات  ابراهيم  طلعت  
مكتبة الأسرة  2003

الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

عبد الناصر و الديموقراطية من مذكرات ابراهيم طلعت - 1

قصة غريبة فعلا  !!!  لولا  ان  كاتب المذكرات  هاجم  بحدة فى ذات المذكرات التوجه الديكتاتورى  ليوليو  52  و  سياسات عبد الناصر  اللاحقة  ضد الديموقراطية  لأعتبرت ان تلك القصة  كذبة  للدفاع عن عبد الناصر  !!  و لكن  صاحب المذكرات ابراهيم  طلعت  كان  من اشد المدافعين عن الديموقراطية  و  شخصية محترمة  جدا  كما  فهمت  مما روى عنه  !!

لن أنقل القصة  كنص  و لكن  سأذكرها بإختصار  ..
فى  ص 74  من مذكرات  أبراهيم  طلعت  يروى الأتى
ان  ابراهيم  طلعت  و  احمد  ابوالفتح  (  رئيس  تحرير و صاحب  جريدة المصرى الموالية للوفد  )  تواصلوا مع عبد الناصر  لما  كان لهم  من صداقة  سابقة  و لأنهم  أدركوا  انه  الرئيس الحقيقى لمجلس  قيادة الثورة  و  كان هدفهم  ان  يتمسك المجلس  بالديموقراطية   و  كان  ذلك فى  مواجهة فريق  اخر  يطالب  بدستور  جديد  يناسب الأوضاع الجديدة و  يطالب  بتعطيل الحياة النيابية لفترة  .. و  كان على  رأس  هذا التوجه   سليمان  حافظ و الدكتور السنهورى  و فتحى رضوان و  حسن الهضيبى  و كان  ذلك  يصادف  هوى فى  نفس  على  ماهر  رئيس الوزراء  .
و  كانوا  جميعهم  من أعداء  الوفد التقليديين حسب  كلام  ابراهيم  طلعت  ..  و  كان  من المتوقع  انه فى حال اجراء  اية انتخابات  فإن الوفد سيفوز  بها  ..
كان عبد الناصر  يحدث  ابراهيم  طلعت  و  احمد ابو الفتح  تلميحا  عن  خطر المجموعة السابقة على الديموقراطية  و  يطالبهم بكتابة  مقالات  تدافع عن الديموقراطية  بشدة و  أن يحذروا  من  خطر الدكتاتورية العسكرية .  و  كذلك استعان  عبد لاناصر  برئيس  تحرير المصور  أ.  حلمى سلام  ..
يقول  ابراهيم  طلعت  " لم نكن نظن أن   الخلاف  بين عبد الناصر  و  أكثر  زملائه كان  من الحدة و  الخشونة  بالدرجة التى  كنا نتصورها  .  و التى تبينا بعد  ذلك  بكثير انها  تفاقمت  لدرجة  كان  يمكن  أن  تؤدى  إلى القبض  عليه  و  إقصائه و لكن  استطعت ان  اتبين ذلك  من مشاهدة عابرة  ."

ثم يروى  انهم  فى تلك  الأيام الأولى  من الثورة  كانوا فى
"  و  طرقنا الباب .. و  بعد  قليل  فتح  هو الباب  و  كان  يرتدى البيجاما و يضع  حول  رقبته  فوطة .. و رحب  بنا  و  دعانا  للدخول  و  اعتذر  بأنه قد عاد لتوه من مجلس  القيادة  .
و بعد  ان  جلسنا  قال لنا بالحرف  الواحد  :
-  خضيتونى يا  جماعة  ..  تصدقوا  انا  كنت  فاكر  انهم  جايين  يقبضوا  على .. فظننت  انه  يمزح  ،و  أجبته  ضاحكا  :
- مين  ده اللى يقدر  يقبض  عليك  ؟  ..  و أجاب  : كل  شئ  جايز  ..  إخوانا  فاكرين  إن  أنا  دسيسة عليهم  و  انى  خدعتهم  و أن الإنقلاب  كان علشان الوفد  يرجع  و بيتهمونى  بأنى عميل للوفد  ..  اتبسطوا بقى يا  وفديين  !!
كان عبد الناصر  يتكلم  بمرارة  واضحة  ، و  علمت  منه  ان  خالج محيى الدين  لا  يحضر أكثر  اجتمعاتهم  فى  ذلك لاوقت  (  لأنه  قاعد فى اسكندرية  بيستحمه فى البحر  )  و يوسف  صديق  مش  عضو فى المجلس  و كان كلاهما من أنصار  عودة الحياة البرلمانية و بسرعة . "


ثم يروى لاحقا ان  حسن الشافعى مدير تحرير المصرى (  كان مع  ابراهيم  طلعت فى زيارتهم  لعبد الناصر  )  قد  ذكره بعد  نشر هذه الحلقة من المذكرات ان عبد الناصر  قد  فتح  لهم الباب  و  هو يمسك بيده  مسدسا فى  جرابه الجلدى  !!

أيام الوفد الأخيرة
مذكرات  ابراهيم  طلعت
مكتبة الأسرة  2003  

 جريدة المصرى و  كانوا بصدد  نشر  خبر  غير  مؤكد  ..  فتوجهوا  لعبد الناصر  فى منزله  للتأكد  من صحة الخبر  و  كان ذلك فى حوالى الرابعة  عصرا  ..

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

العالم و تاملاته فى عالم نجيب محفوظ


بشكل  ما  أصبحت  قراءة النقد  الأدبى  من  غير المتخصصين فى الأدب  شئ  نادر  .. قد  يسأل البعض  و  ماذا  ستضيف لنا  قراءة  كتاب  فى النقد ؟  اليس  من الأفضل ان  نقرأ العمل  ذاته و  نقيمه بأنفسنا  ؟  و  نفس الكلام  يجرى على  السينما  ..
و لكن للحق  .  هناك  اعمال  نقدية  تكون قراءتها  مكسب  كبير  مضاف  الى قيمة  النص  ذاته  .  و  تجعل  تلك الاعمال من السؤال السابق  سخافة  شديدة  ..  و من  تلك الكتابات النقدية كتابنا  هذا ..  تأملات فى  عالم  نجيب  محفوظ  للأستاذ الراحل  محمود  امين العالم ..
شجعنى  على القراءة  معرفتى السابقة  به  من  خلال  فيديو شهير  الى  حد  ما  ..  جلس  فيه كبار  الأدباء  و الشعراء  فى  حضرة  العميد  طه  حسين  فى احد البرامج التلفزيونية  ..  و  نالهم  ما  نالهم  من  السخرية  و  التقريع  لقلة  قراءتهم  و  ضعف  ثقافتهم  و  لغتهم  !!  هؤلاء ا لأدباء  كان  من  بينهم  أنيس  منصور  و  يوسف السباعى  و  حاول  عبد الرحمن الشرقاوى  مناقشة العميد  و لكن  لم  يجد لذلك وسيلة  ..
و لم  ينل  رضا العميد  سوى  نجيب  محفوظ  برواياته  و  محمود امين العالم بكتابه  معارك  فكرية  .

فكان  الفضول احد  اسباب  قراءتى  لهذا الكتاب  .. للتعرف  على هذا العالم ..   ولأجد  كتاب  مكون  من  مقالات  قديمة  من الستينات  و السبعينات  يحلل  فيها الكاتب  ادب  نجيب  محفوظ  بشكل رائع و شديد الإمتاع  .. يفتح  أفاق  جديدة  لمن  قرأ  تلك الروايات  من  قبل  و يحفزنا  على  قراءتها  مرة  أخرى  , فقضايا  محفوظ فى  كتاباته القديمة  لم يعف  عليها الزمن  ..  بل  لا تزال  هى  ذات القضايا التى  تشغلنا و  نعانى  منها  .    



الجمعة، 12 ديسمبر 2014

عبد الناصر يقول ان الدكتاتورية و حكم الجيش خطر !!!!

اسهم  ابراهيم  طلعت فى  تحقيق  اجتماع  ضم  بعض  من الضباط  الأحرار  و منهم بالطبع  جمال عبد الناصر  ..  مع  فؤاد  سراج  الدين  الرجل ا لثانى فى حزب  الوفد فى  ذلك الوقت  كان  هذا الإجتماع  فى  20  أغسطس  1952  ..
دار  حوار  طويل  كان  حادا فى  بعض  اللحظات  بين الجانبين  ..  الوفد و الضباط الأحرار  ..  تم  عرض  قانون الإصلاح الزراعى  و  تحديد  ملكية الأراضى الزراعى  و  الذى ساهم فى  كتابته  ابراهيم  طلعت  و لم  يعترض  عليه  فؤاد  سراج الدين  على  عكس ما توقع الضباط  . و  دار الحوار  حتى  وصل الكلام الى  عبد الحكيم  عامر فقال :
"أحب  أقول لأخواننا المدنيين  ان احنا  جادين فى  تسليم البلد لأصحابها و ليس  لنا أى  مطمع فى الحكم ، فنحن  عسكريون  و  لا  نعرف  اسلوب  السياسة و ليست  لنا أى  خبرة تؤهلنا لتولى الحكم  ..  و قد  طلب ما  كثيرون أن  نتولى  الحكم  بواسطة  وكلاء  الوزارات و وافق  زملاؤنا فى مجلس القيادة و لكننا  كما قلت جادون فى اعادة  الحياة الدستورية و العودة  الى  ثكناتنا  للتفرغ  لإنهاء  الإحتلال البريطانى  بعد  خروج الملك  . "   

ثم يصل الحديث  لعبد الناصر  ..  فاسترسل  عارضا الجوانب  المختلفة من الموقف  و ضم  حديثه   الفقرات التالية  ..

" فمثلا  الحركة  دى لما  عملناها  ماكناش  واثقين  انها  حتنجح  و  كان  ممكن  انها  تفشل  و  ننضرب بالرصاص  و لكن  ربنا  اراد  انها  تنجح  ،  فلما  نجحت  مابقيناش  احنا  بس  المسئولين  عنها  .. لأن  كل ضابط فى الجيش  بيعتبر  نفسه  مسئول  و بيعتقد  ان له حق التدخل  فى  حكم  البلد  لأنه  بطريقة أو  بأخرى  ساهم فى  نجاحها  .  
و  من  هنا بيأتى الخطر  لأن الجيش  يبقى هو اللى عاوز  يحكم البلد و من الأن  فيه  ضباط  كتير  شبان بييجوا القيادة و يتخانقوا  معانا و يحاولوا  يفرضوا  رأيهم  علينا  و كل  واحد  له راى يخالف رأى التانى لأن  هذه  الأراء  تمثل  رأى الضباط  كل  واحد  حسب  أعتقاده  السياسى و البيئة  بتاعته  و بعضهم  وفديون  و  بعضهم  اخوان  مسلمون



 و بعضهم  مصر  الفتاة  و بعضهم  شيوعيون  و كل  فئة  عاوزة يكون الحكم  تبع  مبادئ  الحزب  او الهيئة  اللى  تتبعها  ، فيه ضباط  كتير  ايضا  لا  تنتمى لحزاب  أو  هيئات كثير  منهم  عاوزين الجيش  هو اللى  يحكم  لا  احزاب  و  لا  دستور  و  لا  برلمان  يعنى  دكتاتورية
 و  طبعا  احنا مش موافقين  على  كده .
ادى بالنسبة  للعسكريين  .ز بالنسبة  للمدنيين  المسألة أخطر  من  كده  .

و يسترسل عبد الناصر  فى شرح  كيف  ان الإخوان المسلمون  يشيعون  انهم من  قام بالحركة و ان  هذا  نتيجة  لتكتيك  خطير  يستغل  ارتباط الناس  بالدين سواء  الشعب  او  افراد الجيش  "  و فيه  ناس  كتير  فى  الجيش  متدينيين بالفطرة " و ان  هؤلاء  و  لم  يجدوا الإخوان  وقد  حكموا فمن الممكن  ان يقوموا بأنقلاب  .  و  خاصة  ان  نجاح  الإنقلاب  أشعر  العديد  من الضباط  ان  الموضوع  سهل  .
ثم  اكد  " و  طبعا  احنا  ناس  بنقول  الدين على  عينا و راسنا و لكن الحكم و  السياسة  مالهوش  دعوة  بالدين  ، يعنى بالعربى  دع  ما  لله  لله  و  ما لقيصر  لقيصر ..  "  و اكد   ان تلك التيارات  قد  تدخل البلاد فى  دوامة  من الإنقلابات العسكرية .و  ان  الإنجليز  يمكن  ان يستغلوا  هذا الموقف و  كذلك  على  ماهر  ( رئيس  الوزراء  فى  هذا الوقت  )  يهمه  ان يحكم بدون  دستور  و  هو يستغل ان  محمد  نجيب  رجل  طيب  و مجامل  و  مش  بتاع  سياسة .فمثلا  هو  معارض  لقانون  تحديد الملكية و اقنع  نجيب  بان يكون فى صفه   .و لذلك  قرروا  اقالة  على  ماهر  و  تكوين  وزارة  محايدة  تعمل انتخابات  و الشعب يختار الحكام بطريقة  ديموقراطية "  و  دى فى  رأيي  الطريقة الوحيدة للأستقرار  "
"  و  علشان  كده  احنا  املنا ان الوفد يتعاون  معانا  باعتباره  اكبر  تنظيم  جماهيرى  ديموقراطى  فى  المسلم  و المسيحى  و العامل  و  الفلاح و  الغنى و الفقير  يعنى فئات الشعب المختلفة  .  و  طبعا  احنا  علشان  نسلم الأمانة  للوفد  اذا  حصل على  الغلبية  فى الإنتخابات  و  ده  هو المنتظر  لازم  نكون  مطمئنين  الى  ان قيادته فوق  مستوى الشبهات  ..  صحيح ان  اكثر  زعماء  الوفد  مشهود  لهم بالنزاهة  و الوطنية  ، لكن برضه  فيه قلائل  انتم  تعرفوهم  واحد  أو  اتنين  أو  ثلاثة او  اكثر  الإشاعات  حواليهم  كتير  و انا طبعا  مش عاوز  أذكر  اسماء  لأنكم  تعرفوهم  اكثر منا  . و ده السر  فى  اننا بنقول  ان الأحزاب تطهر  نفسها  علشان الشعب  يطمئن  الى السياسيين اللى فى الحكم  .."  
ثم  فى  فقرة  اخرى  من الحوار يقول  ان  الملتفين  حول الضباط الأحرار الأن  مع الحكم  الديكتاتورى  و  ضد  رجوع الوفد  للحكم  و  خاصة  انهم  نجحوا (  خصوم الوفد )  فى  استصدار فتوى  من  مجلس  الدولة  تجيز  عدم  دعوة  اخر  برلمان للموافقة  على  اعضاء  مجلس  الوصاية  و  اقرار  عزل الملك "  بيشيعوا  اننا  مش عاوزين الوفد  يرجع  .  احنا مالناش  دعوة  بالحكاية  دى  لأن  اعلى  سلطة  فى القضاء  هى اللى قالت  كده  "  
"  احب كمان اؤكد  اننا  جميعا فى  مجلس  القيادة  بنحب النحاس  باشا  و بنعتبره  زعيم  كبير  و والد  للجميع  ..  كمان  احب اقول -  مش  لأن  فؤاد باشا موجود  -  ان  نزاهته  و وطنيته  فوق  كل شبهه  و  ان  له فضل  كبير  على  حركة الكفاح  ضد الإنجليز  بعد  الغاء  المعاهدة ( 1936  )  . "


صـ 68
مذكرات  ابراهيم  طلعت 
أيام الوفد الأخيرة 
مكتبة الأسرة  2003 

ابراهيم طلعت و مذكراته

ابراهيم  طلعت  .. اسم  لا  يعرفه  أحد  تقريبا  سوى المهتمين  بالتاريخ المصرى  و  خاصة فترة  ما قبل ثورة  يوليو  52  و  حتى بداياتها او  من  عاصر  بالفعل  تلك  الفترة و  كان  مهتم  بمتابعة الشأن السياسى ..
عند  قراءة مذكراته لم  اتوقع على الإطلاق  كل  ما  قرأته حتى  انى شككت فى  صدق الرجل  ..  و انه  يكتب  من  خياله  ..  و لكن  بالسؤال  عنه  علمت  ممن  عاصروا  تلك الفترة  ,, انه  كان شخصية  محترمة  و ان  اختفى  ذكره تدريجيا  بعد  يوليو  52  .

اذن باختصار  ..
ابراهيم طلعت  كان شابا  سكندرى درس الحقوق  و انضم  لحزب  مصر الفتاة بقيادة احمد  حسين ..  تم  اعتقاله  عدة  مرات  ثم  انضم  لحزب  الوفد  و  ترشح عنه للبرلمان  عن  دائرة  كرموز  عام 1951..  و عمل كصحفى  بجريدة المصرى  الموالية  لحزب الوفد  و الى  ان  قامت حركة الضباط الأحرار  عام 1952   فكان على  صلة وثيقة بقادتها و  خاصة جمال عبد الناصر فقد  كانت  تجمعهم  صداقة  سابقة على الحركة فى 52  جعلت  عبد الناصر  يتصل بطلعت ابراهيم  صباح  23  يوليو  ليبدأ  تعاون  قصير  سرعان  ما  يهدأ  و  تفتر  العلاقات  عقب  شعور  ابراهيم  طلعت  بأن الحركة  تتجه  للحكم الدكتاتورى  بدلا  تدعيم الديموقراطية و الدفاع عن الدستور  .  و بالفعل  تم  اعتقاله  عدة  مرات  عقب  23  يوليو  1952  الى ان قرر  اعتزال العمل السياسى و الصحافى  يأسا  من  القدرة على التغيير.

تم نشر  مذكراته  فى  مجلة  روز  اليوسف  عام 1976 تحت عنوان  "أيام الوفد الأخيرة " ( ربما كان هذا النشر  له علاقة بالحملة  العنيفة التى  كان  يشنها النظام الساداتى  على  عبد الناصر  و  حقبة الستينات ؟ )  و  ارتفعت  مبيعات المجلة  بشكل غير  مسبوق  بسبب  تلك المذكرات  ..
و نشرت اخيرا فى  مهرجان القراءة للجميع  عام  2003 .
فى الرسائل  المقبلة  سنعرض  جوانب  من تلك المذكرات  و  تبقى  العهدة على الكاتب  ابراهيم طلعت .


الخميس، 11 ديسمبر 2014

فريد و سعد

يذكر  فريد فى مذكراته  بعض  الأخبار  عن  سعد  زغلول  ..
ففى  البداية  يذكر نبذة عن نشأة  سعد  كمساعد فقير لأحد المحامين  و  حتى  صعوده  و  نجاحه  كمحامى  و  قراره بالدراسة فى  فر جامعات  فرنسا  بعد  ان  عايره أحد  المحامين  بأنه  لم  يدرس  و  ليس  ملم بالقانون بما  يكفى  ..
ثم  يذكر  كيف  ان الحزب الوطنى  سانده فى  احد الإنتخابات  لمجلس  النواب  و  ان  كان  فريد  قد  اوصى  رفاقه  بالحزب الوطنى  بالحرص  كي  لا ينقلب  سعد  زغلول  على  القضية الوطنية  بعد  نجاحه  كما  فعل  اخرون  ..و يذكر  انه  يقول  ذلك بالرغم من  انه رافقه  فى  احدى الرحلات  الى  اوربا  و لم يجد منه الا  كل وطنية  و  اخلاص  .
ثم  فى مرحلة  لاحقة  نلحظ  ان  هناك  حالة  من الإحباط  اصابت  أعضاء  الحزب الوطنى فى  اوربا  بسبب  خلافات  مالية  مع  سعد  ورفاقه .
فى  مرحلة  اخرى  عند بداية  تحرك الوفد بقيادة  سعد  للتفاوض  من  اجل استقلال مصر  .. نلحظ ان  الشكوك  قد  انتابت  فريد  تجاه  سعد  ورفاقه  .. فنجده  يذكر  فى مذكراته  ..
"  6  مايو  سنة  19  اتانى  جاب  من  وفيق  أفندى  رفعت  من نابولى  مؤرخ  27  ابريل  ينبئ  بوصوله  ، و أنه سيسافر  الى  رومة  ثم  الى  تورينو  و يقول  فى  آخره    أرجو  ايقاف  كل  مخابرة مع  سعد  و  من  معه  الأن  )  .  و  هذه  العبارة  تدل  على  ان  جماعة  الحزب الوطنى  غير  راضين  عن سياسة سعد  بل  يخضوا  (  كما أخشى  )  أن يتفق  مع الإنكليز  على  بعض  إصلاحات داخلية فقط  و لذلك  أتى  رجال الحزب  الوطنى  ليطالبوا بالأستقلال التام  .


و لكن  فى  موضع لاحق  يذكر  فريد  ان الحزب الوطنى  عدل  عن السفر  و ان السبب فى  ذلك  "  أن الجنرال اللانبى قال  " كيف  يدعى  سعد  باشا و  اخوانه انهم يمثلون المة . و  الحال أن الحزب الوطنى الذى  هو  أكبر  حزب  فى  مصر غير  راض عنه و سيرسل  وفدا أخر  لباريس  "  فرجال الحزب  عند  سماعهم  هذا الكلام قرروا  عدم السفر لعدم  عرقلة  سعد  مادام  هذا الوفد  يطالب  باستقلال مصر و  حتى  تسقط  دعوى الإنكليز  بأن المصريين  غير  متفقين  .

ثم فى  فقرة  لاحقة  يشكو  فريد  من  تجاهل  سعد  و رفاقه  لأعضاء  الحزب الوطنى و عدم  رده  على  مراسلاتهم بما فيها  تهنئة شخصية  من فريد لسعد .
  
ان السطور  السابقة  تعكس  ان  الأمور  لم  تكن  دائما  واضحة  كما  نظن  و ان الزعماء  اختلفوا  و اتفقوا  و انتابتهم الشكوك  تجاه  بعضهم البعض  فى احيان  اخرى  .. و لا  يؤثر  ذلك  على  اخلاصهم  لقضيتهم   كل  حسب  منظوره  ..

و فى الأجزاء  الأخيرة  من المذكرات  سنلحظ  ان  فريد  سيذكر  تفاقم  حالته المرضية بالكبد  و  احتياجه  للعلاج  كل  فترة  حتى  توفى  فى  صمت  فى  نفس العام  1919 .

صـ  436 

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

لينين يطالب بأستقلال مصر


و فى  بداية  عام 1918  يقول  فريد فى مذكراته
"  و اخيرا  وصل الى  علمنا  أن المسيو  لينين  رئيس الحكومة الروسية  أرسل تلغرافا  لاسلكيا  إلى عموم  العالم  يطلب  فيه  تحرير مصر و الهند  و وصلنا  هذا الخبر  من  المير  شكيب أرسلان  عن  لسان  وزير  الخارجية  نفسه و  أن  هذا التلغراف  نشر فى  جرائد البلاد المحايدة  و لكنه لم  ينشر  هنا ( استكهولم )   ,  عند  ذلك  قررنا  ضرورة  شكر  لينين  على  هذه العناية تلغرافيا  ،  و  فعلا  أرسل التلغراف عن  طريق  استكهولم و  أرسلنا صورته للجرائد  هنا لكن  لم  ينشر ولا فى واحدة منها  .  و الظاهر ان  الحكومة منعت نشره لأسباب  لا نعلمها .
صــ   389

أوراق  محمد فريد
 المجلد الأول
 مذكراتى بعد الهجرة  ( 1904 - 1919 )
     الهيئة المصرية العامة للكتاب 
    سلسلة  مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر  






















































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































نموذج من القيادة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى

يروى فريد  فى مذكراته
"  فى  يوم الخميس  3 مايو  سنة 1917  قابلت المسيو هوبتمان Hauptmann  العضو  فى مجلس  النواب بروسيا و  تكلمنا بخصوص بغداد  و ضياعها  و سألته  عما يعلمه  بخصوص نوايا اللمان  نحو  مساعدة  الدولة فى  هذه الجهة  ، فقال ما  ملخصه  : أن الذنب فى  هذا الإنحدار  العظيم  واقع  على رجال الدولة  .لأن  كبار  الضباط الأتراك تعجرفوا  و  تكبروا  على  ضباط الألمان ، بل  و  أساءوا معاملتهم  و أهانوهم  خصوصا بعد الإنتصار  على الإنكليز فى  كوت الإمارة  فى  أخر ابريل  1916 ، فأنهم  كانوا يقولون للألمان  أنفسهم  ان  الفضل  فى هذا الإنتصار  للأتراك دون الألمان  ،  و  زاد  كبرهم  و  خيلائهم  و بلغ  منهم التعنت  مع الألمان  إلى انهم  كانوا  يكلفون بعض  ضباط الألمان  باعمال حربية  مستحيلة عقلا  ،  كانوا يكلفون ضابطا  بمهاجمة  مكان  بقوة  قليلة  و يعطون  كل  عسكرى  ثلاثة  خراطيش  فقط  ، و لما  يبدى الألمانى  ملاحظة  على  قلة الذخيرة  يقول  له الضابط الكبير  التركى   انكم  تخافون  الهجوم بالسلاح الأبيض و انكم  لا  تنجحون  الا  بكثرة الذخائر  و ليست  هذه  بالشجاعة الحقيقية  و يأمره بالسير  ، فيضطر الألمانى  للإطاعة  ،  وبالطبع  لا  ينجح  فى  عمله  و يعود  بالفشل  فيزيد  لوم التركى  له  .  و  قد سمعت  هذه التفصيلات  من  ضباط  كانوا  هناك  و  قصوها  على  فى  نفس  نظارة  الحربية  هنا  ،  و لما  وصلت  هذه الأخبار  الى الحكومة الألمانية  سحبوا  جنودهم  و  ضباطهم  تدريجيا  و  تركوا الأتراك يفعلون  ما يريدون  بدون  مساعدة  ، فساءت  الحالة و انكسروا  هذا الإنكسار  الشنيع  .  سألته  ماذا تنوون الأن  ؟  هل  تتركون بغداد  فى ايدى الإنكليز  مع ان استردادها فى  صالحكم  كما  هو فى  صالح الدولة  ؟  فقال: ليست النية  موجهة  الأن  الى  ارسال مدد الى العراق  بل الهمة مبذولة  كلها الى  الوجهة الغربية  ، فان تم الانتصار  هناك  امكن  استرجاع  هذه  الجهات بسهولة  و  كذلك  لو  حصل  صلح  مع  الروسيا  كان  استرجاعها اسهل   !!!

صـ 359
 أوراق  محمد فريد
المجلد الأول
 مذكراتى بعد الهجرة  ( 1904 - 1919 )     
الهيئة المصرية العامة للكتاب     
سلسلة  مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر 

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

جمال باشا ( السفاح ) ( القمع باب الإحتلال )

يحدثنا  محمد فريد  اليوم  عن  شخصية  جمال باشا  السفاح  ..  و  عن  علاقته به .


 " فى يوم  28  مارث  ،  حضر لزيارتى  الشيخ  صالح الشريف ، و  قد  حض من الأستانة  من بضع  أيام  قلائل  ، ثم  زرته  فى الفندق  بعد الظهر  .  و  تكلمنا  كثيرا فى  مسائل الدولة  الحاضرة  بعد سقوط  بغداد و العراق  و  تهديد انكلترا  لفلسطين . و  ملخص  الحديث  ان الحالة  هناك سيئة  جدا و لا  أمل  تقريبا  فى  إرجاع  بغداد  و أن  سبب  هذا  الإنهزام  انفصال متطوعى القبائل  عن الترك  لما رأوه  من  الإحتقار  و  سوء المعاملة  ،و لما  وقع  لديهم  من الوقع  السئ  لفظائع  جمال  باشا  فى الشام ، و  أنه  يخشى  ضياع  فلسطين  و سوريا  أيضا  بسبب أعمال  جمال  باشا  ،و أن  جمال  باشا  سائر  فى  هذه الجهات  سير  حاكم  مستقل  مستبد  لا  يطيع أوامر  و  لا  يسمع  نصائح .
اعدام  المثقفين فى  الشام  على  يد  جمال  باشا  

و لما  وصل الحديث  الى  ذك الكتاب  الذى  نشره  دفاعا  عن اعماله  فى  الشام  قلت  له  ان نشره  أذر  أكثر  مما  أفاد ،  لأن الدفاع  ركيك  ، و يمكن للأعداء  الاستناد  على  نفس  اقواله  لأتهامه  ، فقال  ان أنور  باشا كان  معارضا  فى نشره و لكن  جمال  باشا  أرغى و أزبد  و صمم  على  نشره  . فنشر  رغم  ارادة أنور  باشا .  ثم قال  ان  هذا الطاغية  لا يترك الشام  حتى  يدخلها الأعداء .  و  مما قاله  انه  اجتمع  هنا  بألمانى  كان قنصلا  فى  احدى  ثغور الشام ، فقال له  انه  اجتمع  يوما بجمال  باشا و  نبهه  الى  تقدم الإنكليز  و أخذهم العريش  و استعدادهم  للزحف  على  فلسطين  ، فأظهر  عدم  إهتمام  و قال  : فليأخذوا  أورشليم  ماذا  يضرنا  هذا  .





جمال  باشا فى القدس 

























 فى  موضع  اخر  يروى  محمد فريد
"اجتمعت  بشابين  من  أحفاد الأمير  عبد القادر  الجزائرى  (  اسمهما  )  محمد  على  و  أحمد مختار ، و  هما  اخوان يتعلمان هنا على  نفقة عمهما  على  باشا  المنفى الأن فى  بورصة  ، فقصا على  امور  كثيرة  مما  هو  معلوم  ، و لكن ذكر  لى  أحدهما  محمد على  أن جمال  باشا رغبة  فى  محو  كل  ما  هو  عربى  و لو  اسما  أمر  برفع  اللوحة الرخام  الموضوعة  على قبر سيدى محيى الدين بن  العربى  ،و وضع  لوحة أخرى  كتب  عليها  هذا  قبر  محيى  الدين  أفندى  !.
افنظر  الى هذه الأمور الصبيانية  ،و  انه  هدم فعلا  قبر الأمير  عبد القادر  لوقوعه  فى  طريق  اريد  انشائه  و  كان فى الأمكان  تحويله  قليلا  احتراما  لمقام  هذا الرجل  و  مراعاة  للظروف الحاضرة  . "


و فى  موضع  أخر  يقول  محمد فريد
" مما  اخبرنى  به  اسماعيل  حسنى  عن  أحوال الشام  انها  سيئة  جدا  ،  و  أن  الاهالى فى  اشد السخط على الاتراك ، و  أنهم يفضلون  أى  دولة  أجنبية  تأتى  بلادهم  على بقاء  الأتراك  ،  و أن  جمال باشا سائر فيهم  سيرة الحاكم بأمر  الله الفاطمى  ،  و  أنه  تقريبا  مستقل ببلاد  الشام  ، و  لا  يسمع ما يأتيه  من  الأوامر  من الأستانة ، و  ان  هناك شقاق  كبير  بينه  و بين انور  باشا ، و  ان لجمال  حزب  قوى  فى الجيش  ،  و هذا يوافق  ما  أخبرنى به الشيخ صالح  شريف  عند  وصوله  من الآستانة من  نحو  شهر  ،و قال  كذلك أن  هناك  حركة بين الضباط  العرب  و  هم  كثيرون خصوصا  بين اركان  حرب  و أنهم يستعدون  لثورة  ضد الأتراك و  الخلاصة  ان  البلاد العربية  كلها  ضاعت  أو  ضائعة  لا محالة  بسبب  سوء  سياسة الأتراك  .
و قد اكد  لى  أن اعمال  جمال  عجلت  بثورة  الحجاز، و  تفصيل  ذلك  أن الشريف فيصل بن  الشريف  حسين  كان  مع الحملة المصرية  ،و معه  نحو  ألفين  من الفرسان  أبلو  بلاء  حسنا فى  الميدان  ، و لما شرع  جمال  باشا فى  محاكمة  أعيان الشام  و شنقهم  ،  توسط  لديه لحقن الدماء  و  تشفع  فى  بعض  المحكوم  عليهم  فرفض  و  أهانه  ، فأسرها فيصل فى  نفسه  مدة  ثم  أستأذنه فى العودة  الى بلاده  مع  فرقته ليستبدلها بفرقة  غيرها  من  القبائل المشهورة بالشجاعة  و الثروة  حتى  لا  يكلف  الدولة  مالا  كثيرا  ،  فأذن  له  ، و بعد  وصوله بقليل اعلن والده العصيان. 




و اخيرا  عن  جمال  باشا يروى  محمد  فريد  قائلا  فى  موقع  اخر  صــ 371
و لما  كنت فى  ويسبادن  قرأت فى الجرائد  خبر  وصول  جمال  باشا  الى برلين فحمدت  الله  على  عدم  وجودى بها  حتى  لا  أضطر  لمقابلته  أو  زيارته  .  و لما  عدت  الى برلين  كان  هو  خارجا  عنها  و لكنه  عاد  بعد  قليل  و لذلك فكرت فى  ضرورة  دعوته  الى  احتفالنا  ،  فذهبت الى  الأوتيل لهذا الغرض  و تركت له  بطاقة  زيارتى  لما لم  أجده فأرسل الرد  عليها بطريق  البوسطة  .  و يوم  الأربع  12  منه  ،  عدت  للوكاندة  فقيل لى  بأنه  عاد  إلى الأستانة  فحمدت الله  على  ذلك .
هذا الرجل طامع فى فتح  مصر  لنفسه  ويكره المصريين  الأحرار  و بالطبع  انا فى  مقدمتهم  لإعلانى  دائما  حقوق  مصر و  مجاهرتى بمقاومة  كل  من  يقول  بغير  ذلك  أيا  كان  .  

 أوراق  محمد فريد
المجلد الأول
 مذكراتى بعد الهجرة  ( 1904 - 1919 )    
الهيئة المصرية العامة للكتاب    
سلسلة  مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر 

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

نهاية جريدة اللواء التى أسسها الزعيم مصطفى كامل

الخديو  عباس  حلمى الثانى
يروى  محمد  فريد  قصة  نهاية  جريدة اللواء  مرتين فى  مذكراته  .. المرة  الأولى  رواها بالتفصيل  فى  بداية  مذكراته  و  ذكر  الرواية  مرة  اخرى  بأختصار  مع  ذكر  وفاة  عمر سلطان  .. سأكتفى  هنا  بالرواية المختصرة  .
" وفاة عمر  سلطان
   قرأت فى  جرائد  مصر  خبر  وفاة  هذا الرجل  ، و هو فى  سن  الخامسة و  الثلاثين  على الأكثر  قضاها فى اللهو  و الملذات  و لعب  القمار  ،  حتى  خسر  جزءا  ليس  بقليل من  ثروته  الواسعة  التى  خلفها  والده  سلطان ،  أكبر  أعوان الخديو  إسماعيل  على السلب و النهب  . فقد  جمع  هذه  الثروة  من  طرق  غير  مشروعة ، فذهب  أعظمها  على  يد  هذا الغر  .
كان  هذا الشاب  من أصدقاء  مصطفى  كامل  و  اشترك  معنا فى  تأسيس  اللواء  الفرنسية  بمبلغ ألفى  جنيه  ، دفع النصف الول  و  ضمن  مصطفى فى  حساب  خصوصى  فى بنك رومة  ، و  لما مات  مصطفى  لعب  دورا  مضرا  معنا بخصوص  اللواء  ، إذ  اخذ  حصصا  من الشركة  التى أسسناها  لمشترى  نصف اللواء  بمقدار  ما كنا  ضامنين  مصطفى فيه  من المال  ، و  كانت حصتى  من ذلك  ثلاثة الاف  و  خمسماية  جنيه  ،  و  حصة  سلطان  إثنى  عشر ألف  و الباقى  لمحمد  شريف  و المجموع  عشرين  ألف  جنيه  . ثم  اما  حصلت لامشا


طلعت  حرب

كل المالية  بين  على  كامل  و  أخوته  بخصوص  النصف الأخر  (  إخوة  مصطفى  كامل  )  سار  عمر  سلطان  ضدنا بإيعاز  من الخديو  و  اتفق  مع  عثمان  صبرى  زوج  إحدى  أخوات  مصطفى  و ساعده  على  ذلك  طلعت  حرب  و  كيل أشغاله  خدمة  لحزب  الأمة  أى  الإنكليز، و  اتفقوا  جميعا  على  تعيين  يوسف المويلحى  من رجال البوليس  السرى حارسا  قضائيا ، فإستلم  إدارة اللواء  ، و  نحن  تركناها  و أسسنا العلم  و أعلنا أن اللواء  لم يكن  لسان  حال  الحزب  الوطنى  ، فإنقسم الحزب  بسبب  ذلك  و  ابتدا الخلاف  بين  أعضاء  اللجنة  الإدارية  كما  هو مشروح فى الجزء  الأول  من  هذه  المذكرات  .
و لقد  استمال  الخديو  عباس  عمر  سلطان  بان اعطاه  رتبة المتمايز  ثم رتبة  ميرمران  ( باشا )  ، و زاره  فى  داره  بالمنيا  فانشق  عنا  تماما  ،  و  كان قد  بدأت  معاكسته  من سنة 1908 حيث  كان  وعدنى  انا  و  الدكتور  صادق  رمضان  حين  كنا بباريس  بأن  يساعد بماله  على نشر اللواء  الفرنساوى  مهما  كلفه  و انه  كتب  بذلك  لطلعت  حرب  ،  و لكن  لما عدنا  وجدنا  من  طلعت  حرب  مماطلة  ، ثم  منه بعد  عودته  . و أخيرا أضطرتنا الحال  لإبطال  الجريدتين  الفرنسية  و الإنكليزية  . و  بعد  ذلك  صار عمر  سلطان  خديويا  محضا  ثم  انكليزيا  بعد  اعلان الحماية على  مصر  ، و  كانت  وفاته  فجاة  على  ما  جاء  بالجرائد  ، و لا يبعد  ان  يكون  انتحر  تخلصا من مضايقة الديون  و  الدائنين  ، فمصر  لم  تخسر  بموته  شيئا . 


ص327
 أوراق  محمد فريد
المجلد الأول
مذكراتى بعد الهجرة  ( 1904 - 1919 )  
 الهيئة المصرية العامة للكتاب  
 سلسلة  مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر     

السبت، 29 نوفمبر 2014


غارة عثمانية على القاهرة !!!

يذكر  محمد فريد فى  مذكراته
"فى  14  منه  (  نوفمبر  1916 ) ورد فى البلاغ الرسمى ا لإنكليزى  أن الأتراك ألقوا القنابل  كم  طيارة  لهم  على القاهرة  نحو  الظهر  .  و  أنها  قتلت  14  منهم  أربعة  أوربيون  و  جرحت  21  منهم  4  أجانب  كذلك  .  و فى البوم  التالى  نشروا  ان  سبعة  من المجاريح  توفوا  بينهم  2  أجانب  و  كان  لهذا وقع  مختلف  على السامعين  فبعضهم  (  و  انا  منهم )  استقبحنا  هذا العمل  اعتقادا  منا  بأنه  يغير  قلوب  المصريين  على الأتراك  و يفتح الباب  للإنكليز  و  أنصارهم  للطعن  على الدولة  و  على  المانيا بأنهم  يقتلون.  و فريق  استحسنه  كما  يستحسن  أعمال الدولة  ايا  كانت  و  منهم باشحمية و  كثير  من الأتراك  طبعا  .
ثم  وردت  جرائد  و فيها  أسماء  القتلى  و الجرحى  و  لم يوجد بينهم  أحد  من الأعيان  أو  كبار  الموظفين  ،  و  لكنهم لم  يذكروا المحلات
(  يقصد الأماكن )  التى  وقعت فيها الكرات  ،  ولكنا علمنا  من  جواب  خصوصى  ورد لأحد  كبار اليهود  الموجودين  بجنيف  بأن  إحداها  وقعت فى  قصر الدوبارة  على  زوجة الأفوكاتو  البلجيكى الشهير  المسيو  مرزباخ و  قتلتها فى الحال  و لله  الحمد لم  يصب  احد  من  معارفنا  أو  من اقاربنا . 

ص327

أوراق  محمد فريد
المجلد الأول
مذكراتى بعد الهجرة  ( 1904 - 1919 )
  الهيئة المصرية العامة للكتاب  
سلسلة  مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر     

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

تجارة العاج و الإنسان

النيل  حياة  نهر  ..  كتاب  هام  ل إميل  لودفيج Emil Ludwig . الصحفى  ذو  الأصل البولندى  .
تم الإنتهاء  من  تأليف  الكتاب  سنة  1936  و  غالبا  تمت  الترجمة  على  يد  عادل  زعيتر  فى  وقت  قريب  من  هذا  .. يبدو  هذا  من  اللغة المستخدمة و شرح  بعض  الكلمات فى الهامش  برغم  انها  كلمات  تبدو  لنا  بديهية  لا  تحتاج  لشرح  مثل البخار  أو المنضدة  و  كذلك  لإستخدام  بعض  الكلمات  الغريبة  المهجورة  ..
فى  البداية  قد  نظن أن الكتاب  عبارة  شرح  لمسار  نهر  النيل و  جغرافيا  الأماكن  التى يمر  بها  .. ولكننا بعد  قليل  نجد  نفسنا  و قد واجهنا  سرد  لقصص  عن  بعض  القبائل الإفريقية  و عاداتها  و  من  ثم  سرد  لبعض  الأحداث  التاريخية بتفاصيل  قد لا  نجدها  متاحة فى العديد  من الكتب الأخرى  ..  
و سأنقل  باختصار  شديد  ما  ذكره  اميل  لودفيغ عن  تجارة العاج  و  النخاسة فى افريقيا  .
يتحول  صيد  الفيل الى  صيد  الإنسان  
اميل  لودفيغ  مع  شارلى  شابلن
من  الأدميين  ألوف  كانوا  يقضون  حياة  فردوسية  فغدوا أسارى  أو  خصيانا  لدى  اناس  آخرين  و ذلك  لأن  رجلين  من  أبناء  الطبقة الوسطى يحتاجان  الى  ثلاث  كرات  على البساط  الأخضر  لمنضدة  البلياردو  .
فى البداية  يفكر  تاجر عربى عبقرى أنه  من  الممكن  مقايضة  اللؤلؤ  الزجاجى فى  مقابل  عاج  الفيل  ، فيفتن  التاجر السودانى  فيعطيه العاج فى  مقابل  خمسة  لآلئ كبيرة  .
و لكن فى  مرة  لا  يجد  السودانى  من  العاج  ما يمكن  ان  يقايض  به فى  مقابل  اللآلئ  فماذا  يفعل  و  هو رئيس  قبيلة  زنجية فقير  لا  يملك  غير  أنعام و   عبيد  ؟  فيقايض  التاجر  مقابل  بعض العبيد  و يحصل على اللآلئ  .  و  كان رئيس القبيلة  يحصل على  عبيده  رجالا  و  نساء  من  القبائل المغلوبة  حربا  لإستخدامهم فى  أعمال الحقول  .
فى  المقابل  نجد  رئيس  قبيلة  أخر  يحتاج  الى  ثلاثين  إمرأة  للقيام  بأمور  الزراعة  و  إلى  ثلاثين راعيا  و لكنه  لا  يريد الحرب  عن  خوف  أو عن بلادة  أو  عن  شيبة  .  و يبصر  بضع  مئات  من الآدميين  مزروبين فى  حظيرة  صديقه  العربى  فيعرض  عليه  عاج  الفيل  فى  مقابل  ثلاثة  عبيد  .
و  المعاوضة  فى القرن التاسع  عشر  و بوجوهها المتقلبة  التى  يحبها الشرقى  حولت تاجر العاج  الى  تاجر  رقيق  ثم  الى  صائد  رقيق  ليعود  تاجر  عاج ، و  هكذا وقع  سباق  بين  صيد الإنسان  و  صيد الفيل فى النيل الأعلى  . و  كان يقيم فى الخرطوم  تجار  من العرب  فعقد  هؤلاء  التجار  معاهدات مع  رؤساء  القبائل  مستفيدين  من  تنافسهم  و  صاروا  يشترون  أناسا  من  رعاياهم  سالكين  مثل السبيل  التى  سلكتها  انكلترة  فى  سواء  المانية  فى  القرن الثامن  عشر .

كان  هذا  جانب  من  جارة  الرقيق  فى افريقيا  .. و برغم  محاولة  الكاتب  ان  يبدوا  محايدا  و  منتقدا  للحضارة  الغربية فى بعض  وجوهها  . الا  ان  النزعة  العنصرية  كانت  اقوى و لم  يذكر بوضوح دور  الأوربيين  فى  نزح مئات  المختطفين من  أفريقيا  و بيعهم  كعبيد  و  خاصة فى امريكا  فى ظروف  شديدة  القسوة و العنف  .. و ركز  أكثر  على دور الأوربيين  فى مكافحة  تجارة الرقيق  خلال القرن  التاسع  عشر و العشرين  و  ان  أوضح  ان  الثورة الصناعية كانت  صاحبة الفضل الأعظم  فى  تخلى  أوربا  و  أمريكا  عن  العبيد  و  تحريرهم  .
و  من الملفت  أيضا  ذكره  لكيف  استمرت تجارة الرقيق  فى  الجزيرة العربية  و  مكة  خاصة  حتى الثلاثينات من  القرن العشرين  .

المصدر
النيل  حياة  نهر
تأليف  إميل  لودفيغ
ترجمة  عادل  زعيتر
مكتبة الأسرة  1997 
الهيئة  العامة  للكتاب 

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

صورة عتيقة ( الديكتاتور )

كان  تذمر  الناس  من الحكومة  قد  بدا  منذ سنوات  ،  و صرنا  نسمع  منذ  عدة  شهور  بأن الرئيس  بالماسيدا يسعى  للتحول  الى  ديكتاتور  ،  محطما  بذلك  تقاليد  سبع  و  خمسين  عاما  من  احترام الدستور  ، فذلك  الدستور  الذى  صاغته  الأرستقراطية  لكى  تحكم  البلاد  الى  الأبد  ،  كان  يمنح  الجيش  صلاحيات  واسعة  جدا  ،  و  عندما  سقط  الحكم فى  يدى  شخص  ذى  أفكار  مخالفة  ،  تمردت  الطبقة الراقية  ، و لم  يكن  الرئيس  بالماسيدا  ، الرجل  اللامع  ذو  الأفكار  الحديثة  ، قد  حكم  بصورة  سيئة  فى الواقع  . فقد  شجع  التعليم  أكثر  من أى  حاكم  سابق  ، و  دافع  عن  ملح البارود  التشيلى  من الشركات الأجنبية  ، و أنشأ المستشفيات  و  الكثير  من  المنشآت  العامة و  خصوصا السكك  الحديدية  ،  مع  انه  بدأ  مشاريع  أكثر  بكثير  من  تلك  التى  تمكن  من  اكمالها  ، كانت  تشيلى  تتمتع  بقوة  عسكرية  و  بحرية  ، و  كانت بلدا  مزدهرا  و  عملته  هى الأقوى  فى  أمريكا اللاتينية  و  مع ذلك  ،  لم  تسامحه  الأرستقراطية  على  رفعه  من  مكانة  الطبقة  الوسطى  و  محاولته  الحكم  معها  ،  كما  ان  رجا ل  الكهنوت  لم  يستطيعوا  التسامح  مع  فصل الكنيسة  عن الدولة  ، و الزواج  المدنى  الذى  حل  محل  الزواج  الدينى  ، و  القانون  الذى  سمح  بدفن موتى من  كل  الأنواع  فى المقابر  .لقد  كان التخلص من  جثث  من  كانوا  كاثوليكيين  أو  غير  كاثوليكيين  فى الحياة  مشكلة  عويصة  من  قبل  .  و  كذلك الأمر  بالنسبة  للملحدين  و  المنتحرين  ،  الذين  كان  ينتهى الأمر  فى  الغالب  بألقاء  جثثهم  فى الوهاد  الجبلية  السحيقة  أو فى البحر  . و  بسبب  هذه  الإجراءات  ،  تخلت النساء  عن الرئيس  بالجملة  ،  و  مع  أنهن  لم يكن  يتمتعن  بسلطة  سياسية  ، إلا  انهن  كن  يحكمن  فى  بيوتهن  و  يمارسن  فيها  تأثيرا  رهيبا  كما  أن  الطبقة الوسطى التى  دعمها  الرئيس  بالماسيدا  ،  أدارت له  ظهرها  أيضا  ، فرد  على  ذلك بغطرسة  ،  لأنه  كان  معتادا  على  أن  يصدر  الأوامر  و يطاع ،  مثل  كل  ثرى  فى  ذلك الحين  .  فقد  كانت  أسرته  تملك  مساحات  شاسعة  من  الأراضى  ..  مقاطعة  بالكامل  ،  بكل  ما فيها  من  محطات  و  سكك  حديدية  و  ضياع  و مئات الفلاحين  ،  و  لم  تكن  لذويه  سمعة الملاكين  طيبى  القلب  .  و  إنما سمعة  الطغاة القساة الذين  ينامون  و  السلاح  تحت  وسائدهم ، و ينتظرون  الأحترام الأعمى  من فلاحيهم  ،  و ربما لهذا السبب  حاول ان  يدير البلاد  كما  لو  انها  أقطاعيته  الخاصة ....
......
كانوا يسخرون  من  خطابيته  كثيرة الثرثرة  و  تصريحاته المفعمة  بحب  تشيلى و ا لغيرة  عليها  ،  و يقولون  إنه  كان  يوحد  نفسه  بالوطن  إلى حد  أنه لم  يعد  قادرا  على  تصور  الوطن  دون  ان  يكون  على  رأسه  و  كانوا ينسبون اليه  عبارة  (  إما لى  أو  لا  لأحد  )  لقد  عزلته  سنوات  الحكم  و صار  يبدى  فى النهاية سلوكا  غير  مستقر  ينتقل من النزوة  إلى الإكتئاب  ، و لكنه  كان  يتمتع  ،  حتى بين  أسوأ  خصومه  ، بسمعة  رجل  الدولة الجيد  و بالنزاهة  التى  لا  تشوبها  شائبة  ،  مثل  جميع  رؤساء  تشيلى  تقريبا  ،  الذين  على  خلاف  زعماء  أمريكا اللاتينية  يخرجون  من الحكم  و  هم  أشد فقرا  مما  كانوا عليه  حين  دخلوا اليه  . كانت  له  رؤية  مستقبلية  فكان  يحلم  بخلق  أمة  عظيمة  ، و  لكن  قدر  له  أن يعيش  نهاية  مرحلة  و  فساد  حزب  أمضى  زمنا  طويلا فى السلطة  .  لقد  كانت البلاد  و  العالم يتغيران  ، و  كان  النظام  الليبرالى  قد أصيب  بالفساد  .  فالرؤساء  يختارون  من  سيخلفهم  .  و  السلطات  المدنية و  العسكرية  تمارس  التزوير  فى الإنتخابات  ، و يكسب  حزب  الحكومة  دوما  بفضل قوة  تليق  بها  صفة  الوحشية  التى  ألصقت  بها  :  فحتى  الموتى  و  الغائبين  كانوا يشاركون فى  التصويت للمرشح الرسمى  .  و  كانت الأصوات  تشترى  و يجرى  ترهيب  المتشككين  بالهراوى  .  واجه الرئيس  معارضة  لا  تلين  من المحافظين  ، و  من بعض  الجماعات الليبرالية  المنشقة  ، و سلك الكهنوت  بمجمله  و لاقسم  الأكبر  من  الصحافة  .  و  لأول مرة  ألتقت  أقصى  أطراف  الطيف  السياسى  على  قضية  واحدة  :  هزيمة  الحكومة  .  فى  كل  يوم  كانت  تجتمع  مظاهرات  المعارضة فساحة  السلاح ، فتفرقها  الشرطة الخيالة  بالضرب  و فى الجولة  الأخيرة  للرئيس فى الأقاليم  كان  على الجنود  ان  يدافعوا  عنه بأعمال  السيوف  فى  الحشود  الغاضبة  التى  راحت  تشتمه و  تلقى  عليه  الخضار  .  و لم  تكن  مظاهر الأستياء  تلك  تؤثر فيه  .  و  كأنه  لا  يلاحظ  أن البلاد  آخذة بالغرق  فى الفوضى  .  و حسب راى  سيفيرو  دل  بايي  و  النسة ماتيلدى  بينيدا  ، فإن  ثمانين  بالمئة  من الناس  يمقتون  الحكومة  و  أكثر  تصرف  وقور  يمكن  للرئيس  القيام  به  هو  الإستقالة  لأن أجواء  التوتر  قد  صارت  لا  تطاق  و يمكن  لها  أن  تنفجر  فى أى  لحظة  كبركان  .  و  هذا  ما  حدث  فى  ذلك  الصباح  من  كانون  الثانى  1891  عندما  تمردت  القوات البحرية  و  عزل  مجلس  الشيوخ  الرئيس .
سمعت  سيفيرو  دل  باىي  يقول  :
ستنفلت  حملة  قمع  رهيبة  يا  عمتى  سأذهب  للشمال لأواصل النضال  ، و  ارجو  ان  تحمى  نيفيا و  الأطفال لأنى  لن  أستطيع  عمل  ذلك لوقت  لا  أدرى مداه..
-  لقد  فقدت  احدى  ساقيك فى الحرب  يا  سيفيرو  و  إذا ما فقدت الأخرى  فستبدو قزما.
-  لا  خيار  لى  .  ففى  سنتياجو سيقتلوننى  حتما  .
-  لا  تكن  ميلودراميا  . فلسنا فى الأوبرا  !
و لكن سيفيرو  دل  باىي  كان  يملك  معلومات  خيرا  من  عمته ، مثلما اتضح  بعد  عدة  أيام  ، عندما انفلت الرعب  . فقد  تمثل رد فعل  الرئيس  فى  حل  مجلس  الشيوخ  ، و تنصيب  نفسه  ديكتاتورا  و  تعيين المدعو خواكين  غودى  لينظم  حملة القمع و هو سادى  يؤمن بأن (الأغنياء  يجب  أن  يدفعوا الثمن لأنهم  أغنياء  و  الفقراء  لأنهم فقراء  و أما رجال الدين فيجب  رميهم بالرصاص  )      حافظ الجيش  على  ولائه للحكومة  و  ما بدأ  كشغب  سياسى  تحول  الى  حرب  أهلية  مرعبة  حين  تواجه  فرعا القوات المسلحة  ( البحرية  و  الجيش  )  و سارع  غودى بدعم  حاسم  من قادة الجيش  الى  اعتقال  اعضاء  مجلس  الشيوخ  المعارضين  الذين  استطاع  القاء القبض  عليهم  . و انتهت  الضمانات المواطنية ، و بدأ  انتهاك  حرمة  البيوت  و  اعمال التعذيب  المنهجية  ، بينما  اعتكف  الرئيس  فى قصره  مشمئزا  من  تلك الأساليب  و لكنه  مقتنع  بأنه لا توجد  وسيلة  أخرى  لإخضاع  اعدائه السياسيين ، و قد  سمع و  هو يقول أكثر  من  مرة  (  لاأريد  أن  أعرف  شيئا  عن  هذه  الإجراءات )


من  رواية
صورة  عتيقة
تأليف  ايزابيل  الليندى
2001
ترجمة  صالح  علمانى
نشر  دار المدى  

الأربعاء، 30 يوليو 2014

الدولة العثمانية و المصريين

الصدر الأعظم سعيد  حليم باشا 
كانت الأحداث  تتصاعد  متجهة  الى  نشوب  الحرب  العالمية الأولى  ..  و  كانت  التحالفات  يتم  اعدادها على  قدم  و  ساق  ..
و  كانت  انكلترا  ترغب فى  بسط  سيطرتها  بالكاملة على  مصر  مستغلة  ان الدولة العثمانية  كانت على الجناح  الأخر  من  دول الحرب  ..
و الدولة العثمانية  ترغب  فى  اعادة  سيطرتها  كاملة  على مصر  و  ان  كانت  هناك  صراعات  داخل الدولة  نفسها  و  بعض  الأطراف  كانوا  يعدون  بمنح  مصر  المزيد من  الامتيازات .
و  كان  الخديو  عباس  فى  ذلك  الوقت  يمضى  وقته فى الأستانة و  يخشى  العودة  الى  مصر  فقد  كان  يعتقد  ان الإنكليز قد  ينفونه  .. و   كذلك  كان  محمد فريد فى الأستانة  ايضا  يحاول  جاهدا  الضغط  لإنتهاز الفرصة  لإعلان  الدستور  فى مصر  أو  استقلالها عن الإنجليز  او البحث  عن  تحالف  ينقذ  مصر  من قبضة الإنجليز .
و فى  وسط  ذلك  كله  قابل  محمد فريد الخديو عباس  ، و يروى  محمد فريد  ما  حدث  قائلا  :

"و فى  صباح الأحد  18  منه  ،  أرسل  لى  يطلب  منى التوجه  الى  جبوقلى  مع  أسماعيل  لبيب  بك لمقابلة  لأمر  هام  فتوجهنا  بعد الظهر  و  مكثنا  معه  مدة  بحضور  يوسف  صديق  باشا  و أحمد  شفيق  باشا  ،  و  سبب  هذا الأجتماع  أن  عمه البرنس  إبراهيم  حلمى  حضر  إليه  يوم  السبت  بعد انصرافنا  و أخبره  بانه  قابل الصدر  الأعظم  (  الصدر  الأعظم هو  منصب أقرب  لرئيس الوزراء فى الدولة العثمانية  )  سعيد  حليم  باشا  و  كلمه بخصوص  مسألة  مصر  ، فقال  له  بكل  حماقة  أن  مصر  لا يمكن أن  تكون  للمصريين  بل  هى  ملك  للترك  ، و المصريون  بها  كالبهائم  و  أن الخديو  مخطئ  فى  اتفاقه  مع  الحزب الوطنى  و  انه  (  ان  دخل الترك  مصر  )  سينفى  كل من يقول  بالوطنية المصرية  إلى السودان  و يحاكم الوزراء  المصريين  على  انصياعهم  للإنكليز  ،  إلى  غير  ذلك  من  السخاف  "
ص 172

أوراق  محمد فريد
المجلد الأول
مذكراتى بعد الهجرة 
( 1904 - 1919 ) 
الهيئة المصرية العامة للكتاب 
سلسلة 
مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر 
   

الأحد، 27 يوليو 2014

فتحى زغلول

ربما كان  هذا النموذج  مفيدا فى  وقتنا  هذا  بعد  ثورة  يناير  و بعد  التقلبات  التى شهدناها و  قد أصابت  عدد من الشخصيات التى  كنا  نحسبها فى عداد  الثوريين .
و لكن  يجب  أن  نذكر أولا ان محمد فريد  لم  يكن  يدخر  جهدا  للنيل  ممن  يختلف  معه و فى  حالتنا  هذا  ففتحى  زغلول  بجانب  مواقفه الخاصة  و التى  قد  تستدعى  الذم  فكونه  أخ  لسعد  باشا  زغلول  ربما  جعله  هدفا  أكبر  لكلمات  محمد فريد  النارية  و  هو  ما  سنعرف  سببه لاحقا  .
فبعد  ان يقوم  محمد فريد باتهام  فتحى  زغلول  بمحاولة  سرقة  سندات  فى  حادثة  خاصة  .. يبدأ فى ذكر  سيرته  فيقول  :

"  فتحى باشا  :  اسمه فى الأصل  فتح الله  صبرى  و  كان  تلميذا  بالمدارس  التجهيزية  إبان  الثورة العرابية  ، و  كان  من الخطباء الذين  يحضون على الثورة  مع المرحوم  عبد  الله النديم  و لما  دخل الإنكليز  مصر  و  عين  المرحوم  أحمد  خيرى  باشا الكبير  ناظرا للمعارف  ، رفت  فتح الله  صبرى  من المدارس  بسبب اشتراكه فى الثورة  . و لكن  خيرى  كان  يحبه  لنباهته  و  فصاحته  فأراد  مساعدته  على  إتمام  دراسته  فنصح  اليه  بتغيير  إسمه  حتى يتسنى  إدخاله  المدرسة  ثانية   كأنه  طالب  جديد  غير فتح الله المرفوت  ،  فتسمى أحمد فتحى  و  دخل  مدرسة الألسن  و  كنت بها  مع الدكتور  صادق  رمضان  .  و فى  سنة  1883 أرسل الى  اوربا  لدرس  الحقوق  ، فدرسها  و  عاد فى  سنة  1887  و وظف  فى قلم  قضايا الحكومة  . و فى  سنة  1889  لما  أنشئت المحاكم الأهلية  بالوقف  عين بها  و  ترقى الى  ان  صار  رئيس  محكمة  مصر . و أشتهر  عنه الأرتشاء  و سوء  السلوك و الأنهماك فى القمار  ، و لذلك  منع و  حرم  من  الترقى  مدة  ، و  كانت النية  معقودة  على  رفته  إلا  أنه  عين  قاضيا  فى  محكمة  دنشواى  فى  يونية  سنة  1906  و وافق  الإنكليز  على  حكمهم القاسى  المشهور  ،  فقام الرأى  العام  ضده  و رماه بالخيانة  ، فعضده الإنكليز  و  عينوه  وكيلا  لنظارة الحقانية  ، و لم  يزل  بها للأن  و ينتظر له الترقى  فى  ظل  أعداء  البلاد  . "

و يروى محقق  المذكرات  انه  ظل  فى هذا المنصب  حتى توفى  سنة 1914
ص  113 
أوراق  محمد فريد
المجلد الأول
مذكراتى بعد الهجرة 
( 1904 - 1919 ) 
الهيئة المصرية العامة للكتاب 
سلسلة 
مركز وثائق و تاريخ مصر المعاصر 


بحث هذه المدونة الإلكترونية