هل يدرك حكامنا شيئا عن الأوطان التى يحكمونها ؟
أخر مرة من كتاب عواصف الحرب و عواصف السلام
قصة اليوم كان أغلب المشاركين فيها أحياء يوم صدر الكتاب و لم ينكرها أحد و لا يزال أحدهم و هو بطرس غالى على قد الحياة و لم ينكرها .. إذن فهى قصة صادقة
بطل قصتنا كالعادة السادات و معه هذه المرة بطرس غالى و قد كان مساهم بقوة فى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى بداية من زيارة السادات للقدس و مصطفى خليل و كان وقتها رئيس وزراء مصر و كان قد تولى إعادة تنظيم التفاوض مع الجانب الإسرائيلى بعد جولة ضخمة خاضها السادات مع كارتر و بيجن فى كامب دايفد أرهق فيها المفاوضين المصريين بأكثر مما أرهق المفاوضين الإسرائيليين و إستقال بسببها وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل .. عاد السادات و قد شعر بأنه قد آن الأوان لأن تكون هناك حكومة جديدة و كلف حسنى مبارك نائبه وقتها بتشكيل الحكومة . و لكن الأمريكان حذروه من أن قيام مبارك بهذه المهمة سيحرقه و أن عليه ان يبتعد عن أى مهمة تنفيذية ! فما كان منه إلا ان كلف مصطفى خليل .. و قد لقب مصطفى خليل بعدها بمهندس العلاقات المصرية الإسرائيلية. ما علينا ليس هذا موضوعنا و لكنه مجرد مقدمة .
يروى هيكل.. أنه بطرس غالى فى أوائل عام 1979 كان فى زيارة لإسرائيل عاد منها ليتوجه مباشرة لمكتب مصطفى خليل رئيس الوزراء و وزير الخارجية ليروى له واقعة غريبة .. فخلال عشاء أقامه له موشى دايان شكى له من أن بيجن رئيس الوزراء يتخذ مواقف قاطعة لا يحيد عنها و أنه بينما كان يناقشه فى أمر المفاوضات مع مصر فإذا ببيجن يقول له منفعلا " اسمع ، انا لن أبيع سيادة إسرائيل مقابل مياه النيل " تقصى بطرس غالى عن الموضوع فعلم من دايان ان بيجن تلقى عرض سرى من السادات عن إستعداده لإقامة خط انابيب من مياه النيل يصل إلى النقب لرى أراضى مستعمرات يمكن نقلها من الضفة الغربية إلى هناك فى حالة التوصل الى اتفاق بشأن الضفة الغربية !!
أحس مصطفى خليل بخطورة الأمر و ذهب لمقابلة السادات و معه بطرس غالى و طلب من بطرس غالى ان يروى للسادات ما سمعه نقلا عن دايان . و كانت المفاجأة للإثنين أن السادات استمع الى ما قاله بطرس غالى بهدوء ثم قال " و ماله " و استطرد " حتى بعد بناء السد العالى فنحن مازلنا نرمى بكميات من مياه النيل إلى البحر ، و اى ضرر يحدث لنا إذا اعطيناهم هذه المياه لتحل المشكلة ؟ " فرد د. مصطفى خليل " إن هناك بالفعل كميات من المياه ترمى فى البحر ، و لكن ذلك يحدث فى حدود ضيقة و بهدف خدمة الملاحة فى النيل فى غير موسم الفيضان و أيضا بسبب ضرورات تشغيل محطات كهرباء السد العلى و لكى يكون هناك مسقط للمياه كاف لتوليد الكهرباء " . فقاطعه السادات قائلا " خلاص.. نديهم المية دى "
و إضطر مصطفى خليل إلى أن يقول " إننا لا نستطيع أن نعطيهم هذه المياه لأننا سوف نظل دائما مضطرين إلى إطلاق مياه من السد العالى لأغراض الملاحة و الكهرباء " فرد السادات بأنه بعث بعرضه فعلا إلى بيجن و لا بد من إعادة النظزر فى هذا الموضوع بما يسمح بتنفيذ وعده و هو يرى ان عرضه هذا يحل كل شئ ..
قام مصطفى خليل بعد تلك الجلسة بتشكيل لجنة ضمت وزير الرى و بعض خبرائه إلى جانب الدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية مع بعض من المستشارين القانونيين فى الوزارة . ثم عاد مع بطرس غالى لعرض نتائج بحث تلك اللجنة .
و عرض بطرس غالى الناحية القانونية فقال ان نتائج البحث القانونى أظهرت ما يلى :
1- أن اتفاقية مياه النيل الموقعة بين دول حوضه ، لا تسمح لدولة من دول الحوض بأن تعطى لطرف ثالث أى كمية من المياه إلا بموافقة كل دول الحوض .
2- إنه إذا حصل طرف ثالث على أى كمية من المياه لمدة سنة ، و إستزرع عليها أرضا فهذا يرتب لذلك الطرف و بمقتضى القانون الدولى حق ارتفاق دائم على هذه المياه.
3- إ هناك اثنتى عشرة معاهدة تم توقيعها بين كل دول حوض النيل . و علاقة مصر بهذه الدول و كلها بالطبع فى افريقيا - ليست فى أحسن أحوالها الأن .
و إّذا جئنا و طالبنا بإعادة الإتفاق على توزيع المياه فى هذه الظروف ، فإن اى توزيع جديد لحصص المياه لن يكون فى مصلحتنا لأنا نأخذ بالفعل أكثر من حصتنا ، و نقول لدول الحوض إننا نقوم بإصلاح مساحات ضخمة من الأراضى و نحتاج إلى كل نقطة مياه مما نأخذه . فإذا جئنا الأن و أعطينا لإسرائيل مياها قلنا انها زائدة عن حاجتنا - فإننا بذلك نفتح الفرصة لكل دول الحوض لان تنقض معاهدات توزيع حصص المياه . و صحيح أن بعض دول الحوض تتجاوز الأن فيما تسحبه من النهر , و لكنها تفعل ذلك خفية و على استحياء ، فإذا جئنا الان و أعطينا المياه لطرف ثالث فمعنى ذذلك أننا نعطى لكل دول الحوض تصريحا رسميا بأن تفعل ما تشاء .
إستمع السادات إلى باقى حجج بطرس غالى و قال: " نستطيع ان نقول للأفارقة إننا سوف نعطى مياه شرب للعرب الفلسطينيين "
ة تدخل مصطفى خليل فى الحديث بإنفعال قائلا :" اننى رئيس وزرائك و من واجبى تجاهك ، فضلا عن واجبى ازاء البلد ، أن احمى صورتك أمام الناس ، و انا لا أستطيع بضمير مستريح أن أمد انبوبة قطرها بوصة واحدة إلى إسرائيل لأسباب واضحة "
1- ليست عندنا مياه فائضة على الإطلاق
2- نحن من الأن نستعير جزءا من حصة المياه المخصصة للسودان
3- أن ايراد مياه النيل يشهد تذبذبا خطيرا فى السنوات الأخيرة و قد بدأت بالفعل سنوات قحط فى الجنوب و لولا بناء السد العالى لحلت بمصر كارثة. عانت أفريقيا فعلا من جفاف شديد الوطأة و مجاعة شديدة أستمرت حوالى 9 سنوات فيما بعد و الملفت أن حقبة السبعينات شهدت هجوم حاد على مشروع السد العالى و أتهمته بأنه افسد حال الزراعة فى مصر و نادى البعض بهدمه و كان جزء من الحملة على عبد الناصر و انجازاته
و لو استمرت سنوات القحط فإننا سوف نستهلك مخزون بحيرة السد فى ظرف سنوات قليلة.
4- أن احتياجاتنا الحالية من الماء الآن 55 مليار متر مكعب و أملنا الحقيقى فى احتمالين :
ا- أن نتمكن من تغيير اساليب الرى فى مصر و نلجأ إلى الرش بدلا من الغمر و نحن نطبق ذلك فى الأراضى الجديدة و لا نطبقه فى الوادى القديم ، و لن نقدر على ذلك الا بعد سنوات طويلة .
ب- أن نتمكن من معالجة مياه الصرف و هذه تحتاج الى استثمارات كبيرةو الى وقت طويل حتى تصبح ممكنة . "
صمت السادات وقتها و لكنه لم يلغى الموضوع من رأسه
دخل مصطفى خليل فى خلافات مع السادات بخصوص تفاصيل الإلتزام بتصدير البترول لإسرائيل باسعار مخفضة و بخصوص رغبة السادات فى الغاء جامعة الدول العربية .
و تم عزله من منصبه فى 10 مايو عام 1980
أخر مرة من كتاب عواصف الحرب و عواصف السلام
قصة اليوم كان أغلب المشاركين فيها أحياء يوم صدر الكتاب و لم ينكرها أحد و لا يزال أحدهم و هو بطرس غالى على قد الحياة و لم ينكرها .. إذن فهى قصة صادقة
السادات مع مصطفى خليل |
بطرس غالى |
أحس مصطفى خليل بخطورة الأمر و ذهب لمقابلة السادات و معه بطرس غالى و طلب من بطرس غالى ان يروى للسادات ما سمعه نقلا عن دايان . و كانت المفاجأة للإثنين أن السادات استمع الى ما قاله بطرس غالى بهدوء ثم قال " و ماله " و استطرد " حتى بعد بناء السد العالى فنحن مازلنا نرمى بكميات من مياه النيل إلى البحر ، و اى ضرر يحدث لنا إذا اعطيناهم هذه المياه لتحل المشكلة ؟ " فرد د. مصطفى خليل " إن هناك بالفعل كميات من المياه ترمى فى البحر ، و لكن ذلك يحدث فى حدود ضيقة و بهدف خدمة الملاحة فى النيل فى غير موسم الفيضان و أيضا بسبب ضرورات تشغيل محطات كهرباء السد العلى و لكى يكون هناك مسقط للمياه كاف لتوليد الكهرباء " . فقاطعه السادات قائلا " خلاص.. نديهم المية دى "
و إضطر مصطفى خليل إلى أن يقول " إننا لا نستطيع أن نعطيهم هذه المياه لأننا سوف نظل دائما مضطرين إلى إطلاق مياه من السد العالى لأغراض الملاحة و الكهرباء " فرد السادات بأنه بعث بعرضه فعلا إلى بيجن و لا بد من إعادة النظزر فى هذا الموضوع بما يسمح بتنفيذ وعده و هو يرى ان عرضه هذا يحل كل شئ ..
مصطفى خليل |
و عرض بطرس غالى الناحية القانونية فقال ان نتائج البحث القانونى أظهرت ما يلى :
1- أن اتفاقية مياه النيل الموقعة بين دول حوضه ، لا تسمح لدولة من دول الحوض بأن تعطى لطرف ثالث أى كمية من المياه إلا بموافقة كل دول الحوض .
2- إنه إذا حصل طرف ثالث على أى كمية من المياه لمدة سنة ، و إستزرع عليها أرضا فهذا يرتب لذلك الطرف و بمقتضى القانون الدولى حق ارتفاق دائم على هذه المياه.
3- إ هناك اثنتى عشرة معاهدة تم توقيعها بين كل دول حوض النيل . و علاقة مصر بهذه الدول و كلها بالطبع فى افريقيا - ليست فى أحسن أحوالها الأن .
بطرس غالى |
إستمع السادات إلى باقى حجج بطرس غالى و قال: " نستطيع ان نقول للأفارقة إننا سوف نعطى مياه شرب للعرب الفلسطينيين "
ة تدخل مصطفى خليل فى الحديث بإنفعال قائلا :" اننى رئيس وزرائك و من واجبى تجاهك ، فضلا عن واجبى ازاء البلد ، أن احمى صورتك أمام الناس ، و انا لا أستطيع بضمير مستريح أن أمد انبوبة قطرها بوصة واحدة إلى إسرائيل لأسباب واضحة "
1- ليست عندنا مياه فائضة على الإطلاق
2- نحن من الأن نستعير جزءا من حصة المياه المخصصة للسودان
3- أن ايراد مياه النيل يشهد تذبذبا خطيرا فى السنوات الأخيرة و قد بدأت بالفعل سنوات قحط فى الجنوب و لولا بناء السد العالى لحلت بمصر كارثة. عانت أفريقيا فعلا من جفاف شديد الوطأة و مجاعة شديدة أستمرت حوالى 9 سنوات فيما بعد و الملفت أن حقبة السبعينات شهدت هجوم حاد على مشروع السد العالى و أتهمته بأنه افسد حال الزراعة فى مصر و نادى البعض بهدمه و كان جزء من الحملة على عبد الناصر و انجازاته
و لو استمرت سنوات القحط فإننا سوف نستهلك مخزون بحيرة السد فى ظرف سنوات قليلة.
4- أن احتياجاتنا الحالية من الماء الآن 55 مليار متر مكعب و أملنا الحقيقى فى احتمالين :
ا- أن نتمكن من تغيير اساليب الرى فى مصر و نلجأ إلى الرش بدلا من الغمر و نحن نطبق ذلك فى الأراضى الجديدة و لا نطبقه فى الوادى القديم ، و لن نقدر على ذلك الا بعد سنوات طويلة .
ب- أن نتمكن من معالجة مياه الصرف و هذه تحتاج الى استثمارات كبيرةو الى وقت طويل حتى تصبح ممكنة . "
صمت السادات وقتها و لكنه لم يلغى الموضوع من رأسه
بطرس غالى |
و تم عزله من منصبه فى 10 مايو عام 1980
المصدر مجموعة المفاوضات السرية بين العرب
و اسرائيل
الكتاب الثانى
عواصف الحرب و
عواصف السلام
محمد حسنين
هيكل
دار الشروق
صـ451
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق