التحولات التى حدثت فى المجتمع المصرى فى نهاية السبعينات كادت ان تكون تحول من النقيض للنقيض , التحول من الرغبة فى ان تكون مجتمع منتج إلى الإستسلام لفكرة الإستهلاك , التحول من فكرة القيم العلمية و الفكرية و الإجتماعية الراسخة حتى ذلك الوقت إلى قيم مادية حيث اللى معاه قرش يسوى قرش .. التحول من فكرة المقاومة إلى الإستسلام بإسم السلام , من العداء لأمريكا إلى الهرولة تجاهها.
قام العديد من الباحثين بدراسة تلك الحقبة كما عبر عنها الفن السينمائى فى حينها بأفلام منها أهل القمة عن رواية نجيب محفوظ و زمن حاتم زهران و غيرهم من الأفلام .
ولكن فى كتاب عواصف الحرب و عواصف السلام , يقوم هيكل فى عرض صغير جدا فى ثلاث صفحات على الأكثر بشرح الجهود المبذولة لتحقيق تلك التحولات من الغرب و من القيادة السياسية فى مصر .
يشرح هيكل طبيعة الصدمة التى عانى منها المثقف العربى عقب نكسة 67 حيث كانت تلك الصدمة من العوامل التى مهدت لما حدث بعد ذلك .
يقول هيكل انه فى عام 1974 دعى مفكرون و مثقفون عرب الى ما يزيد عن 600 ندوة و لقاء فكرى فى امريكا و اوربا , كانت الندوات عن ا لنظام العالمى الجديد و عن العلاقة بين الشرق و الغرب أو أزمة الصراع العربى الإسرائيلى أو التعاون فى حوض البحر الأبيض المتوسط .
"كانت تذاكر السفر جاهزة ، و الغرف فى الفنادق محجوزة ،و أوراق العمل تغطى شيئا أشبه ما يكون بالألغام المعبأة بغازات أعصاب . و فى البداية كان هناك مشاركون من اليهود , ثم مشاركون إسرائيليون من أحزاب السلام ، ثم مشاركون إسرائيليون من الأحزاب الحاكمة . و راحت الثلوج تذوب . بل و أصبح حجم الدعوات إلى الندوات الدولية الواصلة إلى اى مفكر أو مثقف عربى معيارا لقياس أهميته و حداثته "
لم يشر هيكل هنا إلى تأثير تلك الحياة على مثقفين يعيشون فى بلادهم فى ظروف صعبة و يعانون من القمع السياسى و الإقتصادى .
يكمل هيكل فى فقرة لاحقة " كان تطويع الفكر العربى معركة من أهم المعارك فى التمهيد للتسوية , و لم يكن مهما أن يجئ السلام , و إنما كان الأهم أن تتهاوى بعض القيود التى كانت تفرضها( المقدسات \ المحرمات )"
يوضح هيكل فى فقرة لاحقة ان أربع جامعات أمريكية قد صرفت فى عام واحد ما يصل إلى 140 مليون دولار على تلك الندوات ما بين فنادق و إقامة و تذاكر سفر و مكافآت للمشاركين !!!
يمكن أن نتذكر أيضا محولة القيادة السياسية للتخفف من أعباء المقاومة و الإلتزام بالقضية الفلسطينية . بداية من التخفيف من إدانة الصهاينة ثم إدانة الفلسطينيين أنفسهم بتهمة تم المبالغة فيها بشكل غير عادى انهم هم من باعوا اراضيهم للفلسطينيين..
يكمل هيكل فى فقرة لاحقة " و أخيرا زاد على الصورة أن بعض المقربين الجدد من الرئيس السادات خطر لهم أن لديهم ما يمكن أستغلاله فى تسهيل مرور تحولات واسعة فى نفوس الناس و فى مجموعة ما استقر فى وعيهم من قيم ( بالذات فى المجال الإجتماعى ).
و كانت البداية عملية تشجيع للتيارات الدينية بين الشباب , قصد لها أن تتركز فى الجامعات بين الشباب لكى تقدم أفكارا قادرة على طرد أفكار أخرى ، و بذلك يمكن أن يخف ضغط الشباب على العمل السياسى و قراراته . و كانت النتيجة على أرض الواقع أن اتجاهات فكرية دخلت فى صدام مع اتجاهات أخرى . ثم خرج الأمر عن نطاق صدام الأفكار , و إذا هو يصل إلى إشتباك بالأيدى و بجنازير الحديد و بالسلاح الأبيض داخل حرم الجامعة .
و بالتوازى مع ذلك بدأت المؤسسة الدينية الرسمية تُسّتَخدَمْ ضد المثل العليا لإسلام و من بينها مثل المساواة و مثل العدل الإجتماعى و كان الإنقضاض على الماضى دون حدود . .. "
و يستكمل هيكل " حتى وصل الأمر بقمة المؤسسة الدينية أن تفتى بأن السلام مع إسرائيل حلال بغير تحرز و بغير شروط و بغير إضافة فى النهاية بأن الله أعلم "
المصدر مجموعة المفاوضات السرية بين العرب
و اسرائيل
الكتاب الثانى
عواصف الحرب و
عواصف السلام
محمد حسنين
هيكل
دار الشروق
ص 302 : 306
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق