قيمة ما قاله هيكل فى تلك المحاضرة يكمن فى انه قيل فى محاضرة و صدر بعدها فى كتيب صغير عام 1995 أى منذ حوالى 18عاما .. فى وقت لم يكن يتخيل فيه أحد انه من الممكن زحزحة أى حاكم عربى تحت ضغط الشعوب. كان الناس يتخيلون وقتها ان الحكام العرب قدر لا سبيل لتغييره و ان الأجهزة الأمنية أقوى من أية إرادة .
الكتيب كان فى الأصل محاضرة ألقاها هيكل فى باريس عام فى 7 ديسمبر عام 1995.
يبدأ هيكل فيشرح إنسداد الأفق فى المستقبل العربى و بعد حديث طويل عن الأزمة العربية ( وقتها ) يسأل :
" هل يمكن أن يجئ الحل من التطور الطبيعى للأوضاع الراهنة فى أى بلد عربى ؟
- و أكاد أقول ان ذلك فوق ما تحتمله الحقائق ، بل انه من الصعب على أن أرى مستقبلا يولد من الواقع العربى الراهن أو ينشأ على اتصال به. و لولا اننى ادرك انه لا يمكن للمستقبل ان يولد أو ينشأ فى حالة قطيعة مع الحاضر ، لقلت إن هذه القطيعة مع الحاضر شرط ضرورى لسلامة و صحة أى مستقبل . لكن ذلك مستحيل من ناحية عملية و حتى من ناحية فلسفية .
فالواضح أننا فى معظم بلدان العالم العربى أمام نظم أضاعت سندها الشرعى و لم تعثر على مشروعاتها المستقبلية . و قصارى ما فعلته معظم هذه النظم - و ما زالت تفعله بظن مجاراة العصر - قيامها بخصخصة بعض الشركات فى مقابل تأميم كل السلطات.
و تزداد صعوبة المشكلة عندما نجد انه لا يوجد أمام أى نظام عربى داخل وطنه منافس له مشروعه البديل . سواء كان ذلك المنافس حزبا أو جماعة أو تنظيما من اى نوع . و الأصعب انه لم تظهر حتى الأن فى اى مجتمع عربى فكرة لها جاذبية النفاذ الى الناس و الربط بينهم بجامع مشترك و لو فى الفكر. "
ينطلق هيكل بعد ذلك فى محاولة تخيل حلول لتلك الأزمة و لكنه ينتهى الى ان كل تلك الأفكار غير صالحة . فينتقل الى سيناريوهات الغرب و اسرائيل للمنطقة العربية و يطرح تصوراتهم ما بين التقسيم و التجميع .
فيقول فى هذا السياق
" و داخل حصار هذه الدائرة المقفلة و مناخها المعبأ بالإحباط ، تنتظر التصورات الإسرائيلية ان يزداد الإحتكاك بين المجتمعات العربية و السلطات الحاكمة فيها , و بين الفقراء و الأغنياء, مما يترتب عليه صعود فى قوة التيارات المتمردة ، سواء بالأصولية الدينية أو بالمستحقات الإجتماعية أو غيرها من مولدات الرفض ."
ثم يصل الى مصر فيشرح ان المطلوب من مصر
1 - ان تنكفئ على مشاكلها الداخلية و الا تلتفت الى اى شئ خارج حدودها . أى نحجيم دورها
2- ان تتحول الى ورشة للعمالة الرخيصة
3- ان يستفاد منها كسوق كبير
و فى نهاية المحاضرة يصل هيكل الى محظورين .
"أولهما محظور ضياع الفرصة و الإستسلام لعملية النحر و تآكل لا يعرف أحد إلى أين تصل ؟
و الثانى محظور الإندفاع الى الفوضى الشاملة و لفترة قد تطول حتى تبرز فى الداخل قوة تقدر على ضبط الأمور أو تجئ من الخارج قوة تتولى هذه المهمة ."
المصدر
أزمة العرب و مستقبلهم
محمد حسنين هيكل
دار الشروق
الطبعة الثالثة
نوفمبر 1997
الكتيب كان فى الأصل محاضرة ألقاها هيكل فى باريس عام فى 7 ديسمبر عام 1995.
يبدأ هيكل فيشرح إنسداد الأفق فى المستقبل العربى و بعد حديث طويل عن الأزمة العربية ( وقتها ) يسأل :
" هل يمكن أن يجئ الحل من التطور الطبيعى للأوضاع الراهنة فى أى بلد عربى ؟
- و أكاد أقول ان ذلك فوق ما تحتمله الحقائق ، بل انه من الصعب على أن أرى مستقبلا يولد من الواقع العربى الراهن أو ينشأ على اتصال به. و لولا اننى ادرك انه لا يمكن للمستقبل ان يولد أو ينشأ فى حالة قطيعة مع الحاضر ، لقلت إن هذه القطيعة مع الحاضر شرط ضرورى لسلامة و صحة أى مستقبل . لكن ذلك مستحيل من ناحية عملية و حتى من ناحية فلسفية .
فالواضح أننا فى معظم بلدان العالم العربى أمام نظم أضاعت سندها الشرعى و لم تعثر على مشروعاتها المستقبلية . و قصارى ما فعلته معظم هذه النظم - و ما زالت تفعله بظن مجاراة العصر - قيامها بخصخصة بعض الشركات فى مقابل تأميم كل السلطات.
و تزداد صعوبة المشكلة عندما نجد انه لا يوجد أمام أى نظام عربى داخل وطنه منافس له مشروعه البديل . سواء كان ذلك المنافس حزبا أو جماعة أو تنظيما من اى نوع . و الأصعب انه لم تظهر حتى الأن فى اى مجتمع عربى فكرة لها جاذبية النفاذ الى الناس و الربط بينهم بجامع مشترك و لو فى الفكر. "
ينطلق هيكل بعد ذلك فى محاولة تخيل حلول لتلك الأزمة و لكنه ينتهى الى ان كل تلك الأفكار غير صالحة . فينتقل الى سيناريوهات الغرب و اسرائيل للمنطقة العربية و يطرح تصوراتهم ما بين التقسيم و التجميع .
فيقول فى هذا السياق
" و داخل حصار هذه الدائرة المقفلة و مناخها المعبأ بالإحباط ، تنتظر التصورات الإسرائيلية ان يزداد الإحتكاك بين المجتمعات العربية و السلطات الحاكمة فيها , و بين الفقراء و الأغنياء, مما يترتب عليه صعود فى قوة التيارات المتمردة ، سواء بالأصولية الدينية أو بالمستحقات الإجتماعية أو غيرها من مولدات الرفض ."
ثم يصل الى مصر فيشرح ان المطلوب من مصر
1 - ان تنكفئ على مشاكلها الداخلية و الا تلتفت الى اى شئ خارج حدودها . أى نحجيم دورها
2- ان تتحول الى ورشة للعمالة الرخيصة
3- ان يستفاد منها كسوق كبير
و فى نهاية المحاضرة يصل هيكل الى محظورين .
"أولهما محظور ضياع الفرصة و الإستسلام لعملية النحر و تآكل لا يعرف أحد إلى أين تصل ؟
و الثانى محظور الإندفاع الى الفوضى الشاملة و لفترة قد تطول حتى تبرز فى الداخل قوة تقدر على ضبط الأمور أو تجئ من الخارج قوة تتولى هذه المهمة ."
المصدر
أزمة العرب و مستقبلهم
محمد حسنين هيكل
دار الشروق
الطبعة الثالثة
نوفمبر 1997
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق