الأحد، 2 يونيو 2013

مظاهرة عسكرية ضد الجوع

فى مذكرات  عرابى  يروى لنا  قصة  إنتفاضة  عسكرية  .. هل  كانت  الأولى  بعد  تكوين الجيش  النظامى المصرى  ؟  لا  اعلم  ..
الخديو  اسماعيل باشا
بإختصار  يروى  عرابى لنا انه فى  عام  1879م  و فى  أوائل عام 1296 هـ  ،صدر  له الأمر  بالعودة  من  رشيد  و تسليم الأسلحة و المهمات  و  صرف العساكر  الى بلادهم  .  و  كانوا  ثلاثة  الايات  بيادة  فسلموا  مهماتهم . و فى  صباح اليوم التالى  ذهب الى  منزل  محمد بك النادى  ( قائد  أحد الالايات العائدة من  رشيد  )  فأتى  لهم  أحد  ضباط الألاي   يوزباشى  أحمد افندى  نجم  و أخبرهم  ان  تلامذة  الحربية و بعض  الضباط  قد  أحاطوا  بوزارة  المالية  فجاءت عساكر  برنجى  ألاى  و أطلقت  عليهم النار  فأرسلوا احد الضباط  ليتأكد  مما قيل  فعاد و  قد أكد  لهم ما  حدث !!
يعود  عرابى  فيفسر لنا  ما  حدث  بأن الخديو  إسماعيل  باشا  قد  قلق  من  ضغوط  الوزارة المختلطة عليه  .  و  كانت تلك الوزارة تضم  فى  عضويتها نوبار  باشا  رئيسا  لها  و  عضوية  على  مبارك  و السير  ويلسون  الإنجليزى  و  دى بلينير الفرنسى  و أخرين  .. فأراد  ان  يتخلص منها  فأوعز  الى  جاهين  باشا  كنج  (  و  هو  من أصل  كردى  و  زوج  أبنة  الخديو  إسماعيل  )  ان يدير  هذه الحركة الصبيانية  (  كما يراها عرابى )  فأوعز  بدوره إلى  صهره  لطيف بك سليم الضابط بالمدرسة الحربية  بأن  يأخذ  التلامذه و  من يتيسر له  من الموافقون على  هذه الحركة و يذهبوا الى المالية  و يصيحون و يتظاهرون بالتظلم  من  عدم  صرف  مرتباتهم  المتأخرة من  عشرة أشهر  و  ينسبون هذا التأخير الى  الوزارة  و يطالبوا بسقوطها  ، كل  هذا  للتخلص  من الأوربيين  الذين  كثر  استخدامهم  فى  مصالح الحكومة المهمة  ذات الإيراد العظيم  كالجمارك  و  ميناء الإسكندرية و السكة الحديد  و التلغرافات  و الدايرة السنية  و  مصلحة الدومين و صندوق الدين و  مصلحة المساحة  و  ما شاكل ذلك  ... فجاء  لطيف  بك  و من م عه  من الضباط  الذين  اضاع  صوابهم الفقر  و الجوع الى المالية  و صاحوا قائلين اصرفوا لنا  حقوقنا  من  هذه الأموال المتراكمة فى  خزينة  المالية ، و بعضهم  صفع  ويلسون  و  نوبار  و بعضهم  حقر  رياض  و  على  مبارك .
الخديو توفيق  باشا
فأتى الخديو الى  المالية  و  حضر اميرالاى الحرس الخديوى  على  بك فهمى  و  معه  اورطة و  حال بين المالية و المتظاهرين  .. ولما رأى الخديو  اسماعيل  رئيس  معاونيه  عبد القادر  باشا حلمى مضروبا  بسيف على  يده من احد الضباط ، امر الخديو بضرب الرصاص على الضباط و التلاميذ المتظاهرين     . و لكن الأميرالاى  على بك  فهمى  أظهر حزما  و نظر فى عواقب الأمور  فأمر العساكر باطلاق اسلحتهم فى الفضاء  و لولا  ذلك  لكانتالنتيجة وبالا على الخديوى لكونه أمر  بقتل اناس  يطلبون  حقا لهم  مهضوما فإنصر المتظاهرون و رجعوا الى محلاتهم و كلهم  متأففون ..
فهاج الضباط فى  جميع الالايات  و تشاوروا  فيما بينهم  و صرحوا بوجوب  عزل  هذا الخديوى و اعتلاء  ولى  عهده  توفيق  باشا فوق  مسند الخديوية المصرية  . فلما  علم  الخديوى بذلك  ذهب الى  مركز كل الاى  على  حدة و طيب  خواطر الضباط و  وعدهم  بصرف  حقوقهم  المتأخرة و  عزل الوزارة المذكورة  و  عهد بالرئاسة الى  محمد توفيق بعد  ان  عارضت انجلترا و  فرنسا  رغبة  اسماعيل فى  ان  يتولى الوزارة بنفسه .

كان  هذا  ما رواه  عرابى فى  مذكراته  بتصرف فى النص  لكى تكون القصة  أكثر  سلاسة و بتصحيح بعض الوقائع  المؤكدة و التى  صححها  محقق  المذكرات  د. عبد المنعم إبراهيم الجميعى

الملفت فى هذا النص  ما يلى
أن  عرابى على  مدار  النص  لا ينكر  ابدا  تأخر  حقوق  الضباط  و الطلبة الحربية بل  و يعبر  عن  حجم  معاناتهم  و فى النهاية  يدين  رغبة الخديوى فى  قتل  مظلومين يطالبون  بحقهم  !!
نوبار  باشا  رئيس الوزراء 
و لكنه فى  بداية النص  نراه يصف  تلك المظاهرة بحركة  صبيانية لما  يعتقده بأنها  تمت  بإيعاز  من الخديوى  للتخلص  من الحكومة .. فهل  كان  رأيه فى  انها  مجرد  مؤامرة  من الخد
ما  نلاحظه هو  شعور  المصريين بالغضب  من  تغلغل  الوجود الأجنبى  فى  ادارة الحياة المصرية  و  على  حساب المصريين و  استـئـثـارهم بخير البلاد.
كما  اننا  نلاحظ فى النهاية  حجم  تدخل  فرنسا  و انجلترا  فى  الشأن المصرى و  ان رأيهم فيمن  يجب  ان يتولى الوزارة أو  لا  لا  يمكن تجاهله.
كذلك  فمن الملفت  هو  ورود فكرة عزل الخديو  لدى الضباط  ..  و  هنا يجب  أن نسأل  كيف  بدأت فكرة  عزل الحاكم  فى الورود الى  العقلية المصرية ؟  لقت  تحققت بالفعل  قبل تولى  محمد  على ولاية البلاد  .. فهل  كانت لاتزال  باقية  فى  ذهن المصريين  ؟
كما  انه  من الواضح  خوف  الخديو  اسماعيل من  تحقق  تلك الفكرة  مما يعنى انه  كان  يعمل  حسابا  لقوة الجيش  و  ضباطه  .


يوى  صحيحا  ؟  اعتقد  ان  اسلوب  سرد احمد عرابى  بداية  من  تعاطفه و  تفهمه  لمطالب  الضباط  و انتهاء  بأمر  الخديو  بإطلاق  الرصاص  على الضباط  .. فهل  كان  مجرد  امر يعلم الخجيوى انه لن  ينفذ  لأنه المدبر الأصلى  لما يحدث أم انه فعلا  لا  علاقة له  بتلك المظاهرة  و  انه  كان  يرغب فعلا فى  عقاب  المتظاهرين  ؟ لما  حدث  ينفى  كونها  مؤامرة  .

المصدر 
مذكرات الزعيم  أحمد  عرابى
كشف الستار عن الأسرار  فى النهضة  المصرية  المشهورة بالثورة العرابية  
دراسة و  تحقيق  
د.  عبد المنعم  أبراهيم الجميعى  
دار  الكتب  و  الوثائق القومية 

ليست هناك تعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية