بعد ان خطب النحاس باشا اما ضريح سعد فى ذكراه فى اغسطس 1953 ، تشجع من رد فعل الجماهير و قرر أن يتقدم خطوة أخرى للأمام .
يروى ابراهيم طلعت فى مذكراته ان الأستاذ شفيق الديب اتصل به يوم خميس و اخبره ان مصطفى النحاس سيصلى الجمعة بمسجد ابى العباس بالأسكندرية .
" و فى صباح اليوم التالى .. أول يوم جمعه فى شهر سبتمبر 1953 بكرت فى النزول من منزلى ،و أخذت اتجول فى منطقة رأس التين المجاورة للمسجد .. و ترددت على عدة مقاه .. كانت الحياة تسير سيرها العادى .. و تاكدت أن أحدا لا يعرف بأن النحاس باشا سوف يصلى الجمعة فى المسجد العتيد .
بدأ المصلون يتوافدون على المسجد بشكل طبيعى للغاية .. و قبيل الأذان للصلاة لاحظت من المقهى الذى كنت اجلس داخله و أستطيع من موقعى مشاهدة المدخل الرئيسى للمسجد ، شاهدت بعض الشبان الوفديين واقفين بالقرب من باب المسجد ، و ما لبث أن حضر الأستاذ شفيق الديب فى سيارة أجرة و صافح هؤلاء الشبان ، كانوا لا يتجاوز عددهم خمسة أفراد عرفت منهم حسن رجب و عمر بركات .. صافحوا شفيق الديب و وقفوا خارج المسجد فى انتظار القادم للصلاة .. مصطفى النحاس .
بعد دقائق قليلة توقفت بالقرب من باب المكسجد الكبير سيارة ترجل منها النحاس باشا و معه سكرتيره الخاص عبد الخالق مجاور .
و صافح النحاس من كانوا فى استقباله .. و ما لبث أن تنبه بعض المارة و المتوجهين الى المسجد للصلاة إلى وجود النحاس فأسرعوا يلتفون حوله يصافحونه و يحاولون تقبيل يده ، و تزاحم الناس حوله ، و دخل المسجد حيث قابله المصلون بالهتاف و الدعاء .. و جلس متأهبا للصلاة .
و انتشر الخبر بسرعة البرق بين جماهير رأس التين و الميدان و الأحياء المجاورة ،و أخذ الناس يجرون فى لهفة متوجهين الى المسجد لتحية النحاس باشا .
و بينما كان إمام المسجد يخطب خطبة الجمعة التى حيا فيها النحاس باشا تحية طيبة و دعا له و للوطن العزيز .. كان ميدان المسجد و الشوارع المؤدية اليه تموج بآلاف المواطنين ، حتى لم يعد بها موضع لقدم .
و فى نفس ا لوقت كانت قوات الأمن قد تنبهت لخطورة الموقف فأسرعت بعدتها و عتادها ، مئات من الجنود بخوذاتهم و هرواتهم تنقلهم سيارات البوليس الكبيرة و عشرات الضباط على رأسهم الحكمدار و وكيل الحكمدار و غيرهم من كبار الضباط .. كان هؤلاء جميعهم يحاولون تفريق الجماهير .. و لكن عبثا كانوا يحاولون .
لقد ازداد الناس اصرارا على الوقوف لتحية الزعيم الذى احبوه .. لقد ذابت قوات الأمن الضخمة فى بحر الجماهير .. و تعالت هتافات الناس فى كل مكان يهتفون بحياة النحاس باشا و الوفد و وحدة وادى النيل .. كان أهم الهتافات التى ترددت فى ذلك اليوم ( الحق فوق القوة - الأمة فوق الحكومة - لا مفاوضة مع الإنجليز - لا استفتاء فى السودان - النحاس زعيم الأمة - لا زعيم الا النحاس - الشعب يرفض الديكتاتورية - اين الدستور يا حكومة الثورة .... الخ )
لم تكن هذه الهتافات متفق عليها أو محضرة بترتيب مسبق و لكنها كانت تتردد فى كل مكان و تقال بحماسة بالغة و بأصوات عالية مدوية بين الجماهير المحتشدة حول النحاس فى الميدان الكبير الذى يقع به المسجد و فى شارع الترام و الشوارع المتفرعة منها ..
كانت الجماهير تتزايد باستمرار .. كانت الناس تجرى مسرعة الى حيث الزحام الكبير لكى تشارك فى تحية مصطفى النحاس و استقباله .
و ازداد حرج رجال الأمن من ازدياد خطورة الموقف فالنحاس واقف تحيطه مجموعة من كبار ضباط الشرطة و تحيطهم الجماهير التى اكتظت بهم الشوارع .. كان النحاس يلوح للجماهير بيديه مبتسما فى هدوء و اطمئنان .
فلما تفاقم الموقف حضرت ثلة كبيرة من الجنود يقودها بعض الضباط ، الجميع يضعون فوق رؤوسهم الخوذات و يمسكون فى ايديهم الهراوات ، و دفعوا بالجماهير التى تحيط بالرجل بعيدا عنه فى غلظة واضحة و حاولوا اجباره على ركوب السيارة و العودة من حيث أتى .
و هنا اندفع حسن رجب أحد الشبان الوفديين وقتئذ يحاول الإلتحام برجال الشرطة فصاح فيه النحاس بألا يفعل . و لكنه اصيب بحالة شبه هيستيرية و أخذ يهتف و هو فى شبه غيبوبة ( تسقط القوة الغاشمة - تسقط الديكتاتورية - تسقط حكومة الثورة )
و اخذت الجماهير تردد هذه الهتافات فى عنف بالغ و كأنها تقبل التحدى ثم ما لبثت ان اقتحمت كردون الشرطة المحيط بالنحاس و حملت حسن رجب على اكتافها الذى اخذ يردد هذه الهتافات فيرددها الناس فى قوة و عنف و اصرار .
و هنا حاول احد ضباط الشرطة أن يضرب حسن رجب بعصاه الغليظة .. و لكن مصطفى النحاس كان أسرع اليه من يده فقد اسرع الرجل الذى تجاوز السبعين فى حركة لا تصدر الا من شاب فى العشرين ، لكى يمسك بالعصا و هى فى يد الضابط قبل ان يهوى بها على الرجل .. و أغلظ القول لهذا الضابط و حذره من الإعتداء على اى احد من الناس و انه يحمله مسئولية الدماء التى تسيل اذا حاول البوليس الإعتداء على احد .
و لم يكن منطقيا ان ينهزم رجال الأمن ، فسرعان ما عاودوا ترتيب صفوفهم و استطاعوا ان يقبضوا على الذين تزعموا المظاهرة و الهتاف . و منهم حسن رجب الذى كان لا يكف عن ترديد الهتافات المعادية فى حالة لا وعى كامل و كان النحاس باشا قد ركب السيارة و معه شفيق الديب و سكرتيره .. فلما رأى رجال الشرطة قد ألقوا القبض على بعض الأشخاص أمر السائق بعدم السير ، و عبثا حاول كبار الضباط إقناعه بالسير و لم تتحرك سيارة النحاس باشا الى بعد ان أخلى رجال الأمن سبيل من قبضوا عليهم و منهم حسن رجب الذى طلب منه النحاس باشا ان يركب معه فى السيارة .. و سارت سيارة النحاس باشا يحيطها عدد كبير من كونستبلات الشرطة و الضباط راكبى الموتسيكلات و الجماهير تحيى الرجل بالهتاف و التصفيق على مدى الطريق الذى اجتازته سيارته حتى فندق سان ستيفانو حيث يقيم النحاس باشا .
و تقرر لاحقا تحديد اقامة النحاس باشا فى منزله بالقاهرة ردا على ما حدث حيث تمت اعادته للقاهرة بالقوة كما تم القبض على الذين شاركوا فى استقابله او الهتاف له و رحلوا الى معتقل روض الفرج ثم الى سجن المنيا الذى كان غاصا بالمعتقلين الوفديين
و فى يوم 16 سبتمبر اقام مجلس قيادة الثورة مؤتمرا شعبيا فى ميدان عابدين خطب فيه محمد نجيب و جمال عبد الناصر و صلاح سالم و هاجموا جميعا الوفد و مصطفى النحاس .. و صدر فى نفس اليوم أمر بتاليف محكمة الثورة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادى و عضوية السادات و قائد الأسراب حسن ابراهيم .
ص_ 206
مذكرات ابراهيم طلعت
ايام الوفد الأخيرة
مكتبة الأسرة
2003
يروى ابراهيم طلعت فى مذكراته ان الأستاذ شفيق الديب اتصل به يوم خميس و اخبره ان مصطفى النحاس سيصلى الجمعة بمسجد ابى العباس بالأسكندرية .
" و فى صباح اليوم التالى .. أول يوم جمعه فى شهر سبتمبر 1953 بكرت فى النزول من منزلى ،و أخذت اتجول فى منطقة رأس التين المجاورة للمسجد .. و ترددت على عدة مقاه .. كانت الحياة تسير سيرها العادى .. و تاكدت أن أحدا لا يعرف بأن النحاس باشا سوف يصلى الجمعة فى المسجد العتيد .
بدأ المصلون يتوافدون على المسجد بشكل طبيعى للغاية .. و قبيل الأذان للصلاة لاحظت من المقهى الذى كنت اجلس داخله و أستطيع من موقعى مشاهدة المدخل الرئيسى للمسجد ، شاهدت بعض الشبان الوفديين واقفين بالقرب من باب المسجد ، و ما لبث أن حضر الأستاذ شفيق الديب فى سيارة أجرة و صافح هؤلاء الشبان ، كانوا لا يتجاوز عددهم خمسة أفراد عرفت منهم حسن رجب و عمر بركات .. صافحوا شفيق الديب و وقفوا خارج المسجد فى انتظار القادم للصلاة .. مصطفى النحاس .
بعد دقائق قليلة توقفت بالقرب من باب المكسجد الكبير سيارة ترجل منها النحاس باشا و معه سكرتيره الخاص عبد الخالق مجاور .
و صافح النحاس من كانوا فى استقباله .. و ما لبث أن تنبه بعض المارة و المتوجهين الى المسجد للصلاة إلى وجود النحاس فأسرعوا يلتفون حوله يصافحونه و يحاولون تقبيل يده ، و تزاحم الناس حوله ، و دخل المسجد حيث قابله المصلون بالهتاف و الدعاء .. و جلس متأهبا للصلاة .
و انتشر الخبر بسرعة البرق بين جماهير رأس التين و الميدان و الأحياء المجاورة ،و أخذ الناس يجرون فى لهفة متوجهين الى المسجد لتحية النحاس باشا .
و بينما كان إمام المسجد يخطب خطبة الجمعة التى حيا فيها النحاس باشا تحية طيبة و دعا له و للوطن العزيز .. كان ميدان المسجد و الشوارع المؤدية اليه تموج بآلاف المواطنين ، حتى لم يعد بها موضع لقدم .
و فى نفس ا لوقت كانت قوات الأمن قد تنبهت لخطورة الموقف فأسرعت بعدتها و عتادها ، مئات من الجنود بخوذاتهم و هرواتهم تنقلهم سيارات البوليس الكبيرة و عشرات الضباط على رأسهم الحكمدار و وكيل الحكمدار و غيرهم من كبار الضباط .. كان هؤلاء جميعهم يحاولون تفريق الجماهير .. و لكن عبثا كانوا يحاولون .
لقد ازداد الناس اصرارا على الوقوف لتحية الزعيم الذى احبوه .. لقد ذابت قوات الأمن الضخمة فى بحر الجماهير .. و تعالت هتافات الناس فى كل مكان يهتفون بحياة النحاس باشا و الوفد و وحدة وادى النيل .. كان أهم الهتافات التى ترددت فى ذلك اليوم ( الحق فوق القوة - الأمة فوق الحكومة - لا مفاوضة مع الإنجليز - لا استفتاء فى السودان - النحاس زعيم الأمة - لا زعيم الا النحاس - الشعب يرفض الديكتاتورية - اين الدستور يا حكومة الثورة .... الخ )
لم تكن هذه الهتافات متفق عليها أو محضرة بترتيب مسبق و لكنها كانت تتردد فى كل مكان و تقال بحماسة بالغة و بأصوات عالية مدوية بين الجماهير المحتشدة حول النحاس فى الميدان الكبير الذى يقع به المسجد و فى شارع الترام و الشوارع المتفرعة منها ..
كانت الجماهير تتزايد باستمرار .. كانت الناس تجرى مسرعة الى حيث الزحام الكبير لكى تشارك فى تحية مصطفى النحاس و استقباله .
و ازداد حرج رجال الأمن من ازدياد خطورة الموقف فالنحاس واقف تحيطه مجموعة من كبار ضباط الشرطة و تحيطهم الجماهير التى اكتظت بهم الشوارع .. كان النحاس يلوح للجماهير بيديه مبتسما فى هدوء و اطمئنان .
فلما تفاقم الموقف حضرت ثلة كبيرة من الجنود يقودها بعض الضباط ، الجميع يضعون فوق رؤوسهم الخوذات و يمسكون فى ايديهم الهراوات ، و دفعوا بالجماهير التى تحيط بالرجل بعيدا عنه فى غلظة واضحة و حاولوا اجباره على ركوب السيارة و العودة من حيث أتى .
و هنا اندفع حسن رجب أحد الشبان الوفديين وقتئذ يحاول الإلتحام برجال الشرطة فصاح فيه النحاس بألا يفعل . و لكنه اصيب بحالة شبه هيستيرية و أخذ يهتف و هو فى شبه غيبوبة ( تسقط القوة الغاشمة - تسقط الديكتاتورية - تسقط حكومة الثورة )
و اخذت الجماهير تردد هذه الهتافات فى عنف بالغ و كأنها تقبل التحدى ثم ما لبثت ان اقتحمت كردون الشرطة المحيط بالنحاس و حملت حسن رجب على اكتافها الذى اخذ يردد هذه الهتافات فيرددها الناس فى قوة و عنف و اصرار .
و هنا حاول احد ضباط الشرطة أن يضرب حسن رجب بعصاه الغليظة .. و لكن مصطفى النحاس كان أسرع اليه من يده فقد اسرع الرجل الذى تجاوز السبعين فى حركة لا تصدر الا من شاب فى العشرين ، لكى يمسك بالعصا و هى فى يد الضابط قبل ان يهوى بها على الرجل .. و أغلظ القول لهذا الضابط و حذره من الإعتداء على اى احد من الناس و انه يحمله مسئولية الدماء التى تسيل اذا حاول البوليس الإعتداء على احد .
و لم يكن منطقيا ان ينهزم رجال الأمن ، فسرعان ما عاودوا ترتيب صفوفهم و استطاعوا ان يقبضوا على الذين تزعموا المظاهرة و الهتاف . و منهم حسن رجب الذى كان لا يكف عن ترديد الهتافات المعادية فى حالة لا وعى كامل و كان النحاس باشا قد ركب السيارة و معه شفيق الديب و سكرتيره .. فلما رأى رجال الشرطة قد ألقوا القبض على بعض الأشخاص أمر السائق بعدم السير ، و عبثا حاول كبار الضباط إقناعه بالسير و لم تتحرك سيارة النحاس باشا الى بعد ان أخلى رجال الأمن سبيل من قبضوا عليهم و منهم حسن رجب الذى طلب منه النحاس باشا ان يركب معه فى السيارة .. و سارت سيارة النحاس باشا يحيطها عدد كبير من كونستبلات الشرطة و الضباط راكبى الموتسيكلات و الجماهير تحيى الرجل بالهتاف و التصفيق على مدى الطريق الذى اجتازته سيارته حتى فندق سان ستيفانو حيث يقيم النحاس باشا .
و تقرر لاحقا تحديد اقامة النحاس باشا فى منزله بالقاهرة ردا على ما حدث حيث تمت اعادته للقاهرة بالقوة كما تم القبض على الذين شاركوا فى استقابله او الهتاف له و رحلوا الى معتقل روض الفرج ثم الى سجن المنيا الذى كان غاصا بالمعتقلين الوفديين
و فى يوم 16 سبتمبر اقام مجلس قيادة الثورة مؤتمرا شعبيا فى ميدان عابدين خطب فيه محمد نجيب و جمال عبد الناصر و صلاح سالم و هاجموا جميعا الوفد و مصطفى النحاس .. و صدر فى نفس اليوم أمر بتاليف محكمة الثورة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادى و عضوية السادات و قائد الأسراب حسن ابراهيم .
ص_ 206
مذكرات ابراهيم طلعت
ايام الوفد الأخيرة
مكتبة الأسرة
2003